للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحاديث ابن دريد المشار إليها هي التي رواها عنه صاحب الأمالي. قلت في هذا نظر. صاحب الأمالي، وليس بذي غفلة، يسوق ما رواه عن ابن دريد على أنه رواية لا اختراع. هل الأربعون حديثًا التي زعم صاحب زهر الآداب أن ابن دريد اخترعها غير هذه التي روى القالي؟ هل كانت مجموعة قائمة بنفسها أم وهم صاحب زهر الآداب؟ ويبدو أنه لم يهم بدليل ما نسب إليه ابن دريد من الكذب والافتعال، فلا يكون ذلك فيما أخذ عنه في الجمهرة وما رواه العلماء من تلاميذه رواية تحقيق عنه، وإنما يكون ذلك من قبيل الطعن عليه في هذا الذي حاكى به أساليب أهل الجاهلية- إما حسدًا له وإما لم يجدوا فيه ما ظنه هو مضاهيًّا لكلام الجاهليين وقد سلك ابن دريد في نظم الشعر مسلكًا يجعل مجيء مثل هذا منه في المنثور والمسجوع مما لا يستبعد حقًّا.

ومما يشهد بالتحامل على ابن دريد هجوم الأزهري عليه في مقدمة التهذيب وقد أحسن السيوطي في الدفاع عنه في المزهر رحمهم الله جميعًا. وظاهر كلام الشريشي يستفاد منه تضعيف ما ذكره صاحب زهر الآداب.

هذا، وقولنا آنفًا أن بديع الزمان جاحظي المذهب عنينا به أنه لما عمد إلى محاكاة مذهب أهل المقامات، اتبع منهجًا يتدفق به كتدفق الجاحظ مع سرعة النادرة والبادرة والارتياح إلى الاستشهاد بالشعر والانشراح إلى بسط الوصف في فقرات متتابعات الإيقاع آخذ بعضها برقاب بعض.

وقد نبه الدكتور طه حسين في كتابه القيم المفيد «من حديث الشعر والنثر» على أن النثر قد جعل يخلف الشعر، ويستخدم فنونًا كن له، فحازهن إلى فنون ترسله وازدواجه وسجعه. وزعم أن نثر الجاحظ على الخصوص ذو حظ من الشاعرية عظيم. وقد كان الجاحظ شاعرًا حسن الشعر، غير أنه كان أمرأً عاقلًا، علم أنه لا تبلغ ملكته في الشعر ملكة أبي نواس من أبناء جيله أو ملكه أبي تمام من

<<  <  ج: ص:  >  >>