للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيل الذي تلا، وكانت له قدوة حسنة في فضلاء آثروا أن يدعو الشعر لأهله كابن المقفع والخليل بن أحمد. وما جعل النثر يخلف الشعر إلا لتضعضع منزلته.

وما كان محمد بن عبد الملك الزيات إلا شاعرًا، ولكنه لما رأى سبيل المجد من طريق الكتابة، صار إليها فبلغ الوزارة -والوزارة منصب، كما قال له أبو تمام يعيبه بذلك، «يغص به بعد اللذاذة شاربه».

وقد أشرنا إلى أنه لما ضعفت الدولة، ضعفت منزلة الكتابة أيضًا. غير أنها ظلت مع ذلك سبيلًا يترقى على درجها إلى الوزارة. على أنه ربما ترقي بالشعر أحيانًا كما كان من أمر الطغرائي.

وزعم المرزوقي أن الشعر دون النثر ونسب قوله هذا إلى العرب أنه من مذهبهم واحتج بالقرآن لإعجازه أن به النثر أفضل من الشعر، والقرآن كلام الله، والنظم والنثر كلاهما كلام الناس فما احتج به مراء وجدل. وله بعد تقعر لا بلع به من النثر طلاوة ولا من النظم حلاوة.

أبو العلاء المعري معاصر لزمان بديع الزمان. وفصوله وغاياته فيهن مشابه من المقامات وأغلب الظن أن صنعها بعد انصرافه من بغداد لأن فيها روح ما عزم عليه من ترك اللحم وهلم جرا ثم كأن أسلوبه رياضة لما حمل عليه نفسه من النظم بلزوم ما لا يلزم مع التصنيع والإغراب. ورسالة الغفران مقامية الأسلوب في شطرها الأول، فحديث: الأسود والسويداء من ضرب اللعب اللفظي الذي عند البديع وبلغ به الحريري غايات وحديث:

ألم بصحبتي وهم هجوع ... خيالٌ طارق من أم حصن

وتفريع ما فرعه عليها، كذلك.

واجعل ابن القارح بمنزلة عيسى بن هشام. وخبر المحشر وجواز الصراط

<<  <  ج: ص:  >  >>