كل ذلك مقامة. وللبديع مقامة إبليسية يذكر فيها أن عيساه لقي أبا مرة فأنشده:
بان الخليط ولو طووعت ما بانا
وزعم أنها له وأنه نحلها جريرًا، واستنشده لبي نواس قال: فأنشدته
لا أندب الدهر ربعًا غير مأنوس ... ولست أصبو إلى الحادين بالعيس
أحق منزلةٍ بالهجر منزلة ... وطل الحبيب عليها غير ملبوس
يا ليلة غبرت ما كان أطيبها ... والكوس تعمل في إخواننا الشوس
وشادنٍ نطقت بالسحر مقلته ... مزنر حلف تسبيحٍ وتقديس
نازعته الريق والصهباء صافيةً ... في زي قاض ونسك الشيخ إبليس
لما ثملنا وكلا الناس قد ثملوا ... وخفت صرعته إياي بالكوس
غططت مستنعسًا نومًا لأنعسه ... فاستشعرت مقلتاه النوم من كيسي
وامتد فوق سرير كان أرفق بي ... على تشعثه من عرش بلقيس
وزرت مضجعه قبل الصباح وقد ... دلت على الصبح أصوات النواقيس
فقال من ذا فقلت القس زار ولا ... بد لديرك من تشميس قسيس
فقال بئس لعمري أنت من رجل ... فقلت كلا فإني لست بالبيس
قال وطرب وشهق وزعق إلخ».
قلت فأبو العلاء جاء في خبر رضوان ببيت جرير قال: «فغبرت برهة نحو عشرة أيام الفانية ثم عملت أبياتًا في وزن:
بان الخليط ولو طووعت ما بانا إلخ».
ثم يقول له أحد أعوان رضوان اسمه زفر بعد أن أنشده رائية على وزن كلمة لبيد.
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
«أحسب هذا الذي تجيئني به قرآن إبليس».