من أشجار الجنة رمت الأشجار إليهم من ثمارها فصارت الثمار وهم يسيرون في أيديهم، فيا حسن تلك الثمار في أكفهم إلخ».
قال المعري في أوائل رسالة الغفران:«فإذا رأى نجيبه يملع بين كثبان العنبر، وضميرانٍ وصل بصعبر رفع صوته متمثلًا إلخ».
انظر إلى التشابه في نعت سير نجائب الجنة وقد جعل أبو العلاء مسك الحارث وزعفرانه عنبرًا وضيمرانًا وصعبرًا كما ترى.
لم يكن المعري صاحب بديهة واقدة سريعة كالبديع ولكن صاحب أناة وعمق. وكلاهما ذو فكاهة، ولكن البديع كان ابن وقته، عقارب سخريته ومقته وجهها إلى ضروب من معاصريه، فيبدو عمله كأنه فيه سطحي- كمقامته المضيرية مثلًا، فقد انتهج فيها نهج الجاحظ وكاد يمل بالتكرار للفكرة الواحدة التي استولت على التاجر وهو أن يزكي نفسه وكل ما عنده تزكية لا يمازجها أدنى شعور بالتواضع أو رقة الإحساس. مثلًا قوله:«أنا بحمد الله مجدود، في مثل هذه الأحوال محمود، وحسبك يا مولاي أني كنت منذ ليال نائمًا في البيت مع من فيه، إذ قرع علينا الباب فقلت من الطارق المنتاب، فإذا امرأة معها عقد لآل، في جلدة ماء ورقة آل تعرضه للبيع، فأخذته منها أخذة خلس، واشتريته بثمن بخس، وسيكون له نفعٌ ظاهر، وربح وافر، بعون الله ودولتك، وإنما حدثتك هذا الحديث لتعلم سعادة جدي في التجارة إلخ» وأحسب أن مضي الزمن على هذه المقامة وزوال ملابسات زمانها لها هو الذي يجعلنا نستشعر نحو تتتابع موضوعات تزكية التاجر أبريقه وطسته والما الأزرق كعين السنور والمنديل الذي هو من نسج جرجان وعمل أرجان وهلم جرا ونحس من أجل هذا أن في البديع مع حسن بديعه سطحية. والحق أن البديع بعيد عن السطحية. ولا شك أن أصحاب مجلسه كانوا يعلمون مواضع الغمز واللمز والتعريض في كل ما قال. وهذا أمر فاتنا ضربة لازم.