ومما سار سير الحكمة المأثورة من نظم الحريري قوله في الشعرية:
سامح أخاك إذا خلط ... منه الإساءة بالغلط
وتجاف عن تعنيفه ... إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبـ ... ـت مهذبًا رمت الشطط
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
ومما رق فيه وتعمد أن يصيب شعرًا به فيها- وقد سبق الاستشهاد به في مواضع:
وأحوى حوى رقى برقة أسره ... وغادرني ألف السهاد بغدره
تصدى لقتلي بالصدود وإنني ... لفي أسره مذ حاز قلبي بأسره
أصدق منه الزور خوف ازوراره ... وأرضى استماع الهجر خشية هجره
وأستعذب التعذيب منه وكلما ... أجد عذابي جد بي حب بره
تناسى ذمامي والتناسي مذمةٌ ... واحفظ قلبي وهو حافظ سره
وأعجب ما فيه التباهي بعجبه ... وأكبره عن أفوه بكبره
له مني المدح الذي طاب نشره ... ولي منه طي الود من بعد نشره
ولو كان عدلًا ما تجنى وقد جنى ... علي وغيري يجتني رشف ثغره
ولولا تثنيه ثنيت أعتني ... بدارًا إلى من أجتلى نور بدره
وإني على تصريف أمري وأمره ... أرى المر حلوًا في انقيادي لأمره
ههنا وشج ديباج ناعم.
فرق ما بين ما ههنا وما عند مسلم بن الوليد مثلًا أن مسلمًا أعنى أولا بقوة الأسر وجزالته وإحكام المعاني وشرفها أرقيقة كانت أم فخمة. وفرق بينه وبين حبيب أن المعاني والصور والمحسنات جميعًا نتجن عن إبعاد غوص وتأمل مذهل.