وفرق بينه وبين البحتري أن المحسنات طرف من رنين الإيقاع ومتممات له. وليس ههنا صناعة المعاني كما عند ابن الرومي. ولا صناعة التشبيه كما عند ابن المعتز. ولا محض التلهي بقوة الملكة وسعة العلم وتبحره مع حب الترنم وكثرة الفطمة كما عند أبي العلاء. ولا ههنا حسام شعر صلت كما عند أبي الطيب. ههنا وشي رقيق مراد لنفسه- صناعة تطريز ناعم. وهذه الأبيات مما تستطيعه ملكة الحريري ذروة. ولا اعلو إن زعمت أن أثرها كان بعيدًا من بعد في وادي روم مجانسة الأحرف، وأن منها بلا ريب أصداء في نحو نهج لانجلاند الإنجليزي.
In some season when soft was the son
وما سبق أن تحدثنا عنه في أول هذا الجزء وهذا باب ينبغي أن يقتل بحثًا والله المستعان.
ولكأن الحريري يعرض بكساد المدح، وانحراف حرفة الأدب على وجه العموم في الأبيات البائية التي قولها أبا زيد في المعربة (وقد أبى تأثر أبي محمد بأبي العلاء إلا أن يسم باسم بلدته إحدى مقاماته كالاعتراف بذلك، والله أعلم): قال «فأطرق إطراق الأفعوان، ثم شمر للحرب العوان، وقال:
اسمع حديثي فإنه عجب ... يضحك من شرحه وينتحب
أنا امرؤ ليس في خصائصه ... عيبٌ ولا في فخاره ريب
سروج داري التي ولدت بها ... والأصل غسان حين انتسب
وشغلي الدرس والتبحر في الـ ... ـعلم طلابي وحبذا الطلب