للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت من قبل امتري نشبًا ... بالأدب المقتنى وأحتلب

ويمتطي أخمصي لحرمته ... مراتبًا ليس فوقها رتب

وطالما زفت الصلات إلى ... ربعي فلم أرض كل من يهب

وكأن المتحدث ههنا ليس أبا زيد المكدي، ولكن ما له أبو زيد رمز بين رجال الأدب شعرًا ونثرًا من لدن زمان بني أمية إلى زمان المتوكل وسيف الدولة بن حمدان:

فاليوم من يعلق الرجاء به ... أكسد شيءٍ في سوقه الأدب

لا عرض أبنائه يصان ولا ... يرقب فيهم ال ولا نسب

كأنهم في عراصهم جيفٌ يبعد من نتنها ويجتنب

فحار لبي لما منيت به ... من الليالي وصرفها عجب

وضاق ذرعي لضيق ذات يدي ... وساورتني الهموم والكرب

فلما دالت دولة الأدب فلم يجد أصحابه المشتغلون به ما يأكلون به، من أهل المروءات، أقبلوا على أنفسهم يأكلونها. فزعم أبو زيد ههنا أنه قد اضطره الفقر إلى بيع جهاز عروسه، وأنه ما فعل ذلك إلا عن رضا منها. وإذا فرضنا -وهو فرض غير جد بعيد أن العروس قد يكنى بها عن الشعر -أليس حبيب يقول:

خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى ... والليل أسود رقعة الجلباب

بكرًا تورث في الحياة وتغتدي ... في السلم وهي كثيرة الأسلاب

إذا فرضنا هذا، فلا تستبعد أن يكون ضمن معنى عرسه ههنا معنى الكناية عن القصيدة، وما صير به إلى ابتذالها بعد أن كانت مكرمة مصونة. وذلك قوله:

وقادني دهري المليم إلى ... سلوك ما يستشينه الحسب

فبعت حتى لم يبق لي سبد ... ولا بتاتٌ إليه ينقلب

<<  <  ج: ص:  >  >>