للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدنت حتى أثقلت سالفتي ... بحمل دينٍ من دونه العطب

ثم طويت الحشا على سغب ... خمسًا فلما أمضني السغب

لم أر إلا جهازها عرضا ... أجول في بيعه وأضطرب

تأمل التضمين هنا فإنه مما يحسنه أن فيه عنصر التشويق إلى ما سيلي. وكأن الحرير قد فطن أن هذا العنصر نفسه هو الذي سوغ لابن أبي ربيعة تضمينه المشهور: «وانظر- إليهم إلخ». والشاهد الذي ذكرناه من الفرزدق قريب من ذلك وكذلك بيتا النابغة.

اضطر أبو زيد بعد أن نفد ما عنده ولم ينفعه أدبه أن يجول في جهاز ربة بيته ونفسه كارهة. وظاهر سياق الحكاية لطيف جار على حيل أهل الكدية. وباطنه فيه كما قدمنا كناي عن حال الأدب عامة وعن حال الشعر خاصة. وسواءٌ أعنى الحريري ذلك أم لم يعنه، فإن بيع جهاز العروس، على تقدير أن العروس هي القصيدة، لا يخلو من معنى أخذ زينتها وعرضها لتشترى- وزينة عروس الشعر بديعها ومعانيه ومحاسنها. وإلى عرض ضروب من هذه المحاسن مصنوعة، بدل القصيدة المحكمة نفسها، قد آل أمر الشعر بعد زوال سلطانه ومجده. هذا الوجه من الكناية والدلالة سواء أعناه الحريري أم لم يعنه مستكن في كلامه لمن تأمله وما أحسبنا غلونا في التأويل أو باعدنا.

فجلت فيه والنفس كارهةٌ ... والعين عبرى والقلب مكتئب

وما تجاوزت إذ عبثت به ... حد التراضي فيحدث الغضب

فإن يكن غاظها توهمها ... أن بناني بالنظم تكتسب

أو أنني إذ عزمت خطبتها ... زخرفت قولي لينجح الأرب

فوالذي سارت الرفاق إلى ... كعبته تستحثها النجب

<<  <  ج: ص:  >  >>