سقنا هذه التتمة المسجوعة بعد المنظومة البائية للدلالة على ما نعتقده من أن المقامة كل واحد نظمها ونثرها المسجوع. والحق أنه من باب قريب من الشعر. وكلاهما معًا قد خلفا قصيدة التكسب بهذه القطعة التي ظاهرها درس وتسلية وباطنها تعويض عما كانت تقوم به القصيدة. وذكر صاحب الأغاني في أخبار ابن ميادة أنه كانت له أسجاع يهاجي بها. ولا زال السجع من درجات البيان المقاربة جدًّا للشعر في أساليب اللغات الدارجة. وما اتصال منظوم الحريري ومسجوعاته إلا كما تتصل ألوان قوس قزح بعضها ببعض ثم بالسحاب من بعد.
لعله يبدو في تشبيهنا (بالنسبة إلى جانب الرمز والكناية الذي افترضناه) جهاز المرأة بزينة من محسنات لفظية ومعنوية بعض المخالفة؛ لأن الذي يحوز القصيدة عروسًا هو الممدوح والشاعر يزفها إليه، ونحن جعلنا أهل الأدب والشعر بمنزلة السروجي وهو زوج والقصيدة بمنزلة امرأته التي باع جهازها. ولكن هذه المخالفة تختفي إن تذكرنا ما آلت إليه حال الكساد بآباء عرائس الشعر من اضطرارهم إلى أن يستأثروا بهن كآباء عذرهن على نوع من مذهب مجوسي، كالذي ذكره أبو الطيب حيث قال:
يا أخت معتنق الفوارس في الوغى ... لأخوك ثم أرق منك وأرحم
يرنو إليك مع العفاف وعنده ... أن المجوس تصيب فيما تحكم
ومن قبل قد كانوا لهن آباء وكن عوانس طال تعنيسهن- وقد ألمع أبو تمام إلى هذا المعنى في قوله:
يا خاطبًا مدحي إليه بجوده ... ولقد خطبت قليلة الخطاب (١)
(١) () قال التبريزي في الشرح (دار المعارف تحقيق د. م. عبده عزام) ذم أهل زمانه لأنهم لا يرغبون في مدحه وفي الهامش ٥ قال ابن المستوفي جعلها قليلة الخطاب لغلاء مهرها وقيل لأنه لم يكن لها كفء سواك قلت والذي ذهب إليه التبريزي هو الصواب إن شاء الله.