للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلة الخطاب عني بها قصيدة المدح كما ترى.

لا جرم، لم تسد زينة القصيدة مسد القصيدة، ولم تغن غناءها. والمقامة على براعتها لم تعلق بها القلوب علوقها بالقصيد إنما هي لعبه بالنسبة إلى القصيد. والمفتنون في قصائد المدح وإن أصابوا عليهن الجوائز حينًا بعد حين إنما كانوا يجاوزون ببقية من حكم العرف. ويجاوزون على الإجادة أكثر من أن يكون ذلك من أجل المدح نفسه.

قال ابن طباطبا في عيار الشعر وأحسن غاية الإحسان: «والمحنة على شعراء زماننا في أشعارهم أشد منها على من كان قبلهم؛ لأنهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظٍ فصيح، وحيلةٍ لطيفة، وخلابة ساحرة. فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربي عليها لم يتلق بالقبول، وكان كالمطرح المملول. ومع هذا فإن من كان قبلنا في الجاهلية الجهلاء، وفي صدر الإسلام، من الشعراء، كانوا يؤسسون أشعارهم في المعاني التي ركبوها على القصد للصدق مديحًا وهجاء، وافتخارًا ووصفًا، وترغيبًا وترهيبًا، إلا ما قد احتمل الكذب فيه حكم الشعر من الإغراق في الوصف والإفراط في التشبيه. وكان مجرى ما يوردونه مجرى القصص الحق والمخاطبات بالصدق فيجابون بما يثابون ويثابون بما يجابون. والشعراء في عصرنا إنما يثابون على ما يستحسن من لطيف ما يوردونه من أشعارهم، وبديع ما يغربون من معانيهم، وبليغ ما ينظمونه من ألفاظهم، ومضحك ما يوردونه من نوادرهم وأنيق ما ينسجونه من وشي قولهم، دون حقائق ما يشتمل عليه من المدح والهجاء وسائر الفنون التي يصرفون القول فيها. أ. هـ.».

وقد لم ابن طباطبا هنا بمسألة من أعوص مسائل النقد وهي قضية الصدق واحترس بما قدر عليه أن يحترس به. وقوله في جملته جيد كما قدمنا، إذ أن قضية الصدق مما يعسر القطع فيها برأي ينتهي عنده كل الانتهاء. والحرارة التي نحس

<<  <  ج: ص:  >  >>