للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام مندفعًا بها من قلب الشاعر نسميها صدقًا لفقدان ما ينطبق على نعتها تمام الانطباق كقولك رجل صدق وسيف صدق لما يبدو أو ما يكون خالصًا كل الخالصية في أصالته. وعلى هذا الوجه عند أبي تمام صدق وعند ابن الرومي بالنسبة إليه صديق بصيغة التصغير.

ومما كأنه يصح كل الصحة على نسج المقامة، وما هو بمنزلة المقامة كفكريات المعري في اللزوميات وككثير مما أطاله ابن الرومي، ما جعله ابن طباطبا معيارًا لتجويد الشعر وما عدا أن وصف به أكثر عمل أهل عصره هؤلاء الذين إنما كانوا يثابون على لطيف ما يوردونه إلى آخر ما قاله مما سبق ذكره، وذلك في قوله في أوائل كتابه: «فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرًا وأعد ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه. أ. هـ.».

قوله مخض المعنى أخذه من قول حبيب:

حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب

وقد يعلم القارئ الكريم حفظه الله مقال الجاحظ في مقدمات الحيوان أن ما ينقل من النثر في أصله إلى الشعر لا يتأتى منه شعر جيد. هل ذهب ابن طباطبا إلى معنى الجاحظ إذ لا ريب قد كان به عالمًا وبدقائق معناه خبيرًا؟ هل بما وصفه ووصى به معاصريه من طريقة عمل الشعر إنما يشير إلى أن قصارى ما يبلغه المحدث من التجويد هو ما يستطرف من الصياغة والبديع ليس غير، إذ لا يقدر على ما كان عليه القدماء من مذهب الصدق في التعبير؟

وقد ترى أن المقامة نظمها أصله نثر فكر فيه الأديب ورتبه، وأن نثرها جانح إلى إيقاع الشعر متحل بمثل سموط قوافيه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>