وعسى أن يكون هذا الذي ذكره ابن طباطبا إنما يعرض به تجربته هو نفسه للقارئ وهذا ما ذهب إليه الأستاذ الفاضل محقق طبعة كتابه في مقدمته (١). ولكن هذا لا يخرج في جملة معناه عما قدمناه إذ كأن هذه كانت طريقة معروفة سائرًا عليها عمل الشعراء في زمانه. وقد سبق التنبيه إلى طريقة النثر في نظم علي بن العباس، ولعل ابن المعتز كان يصنع مثقل هذا الصنيع لفتور الإيقاع عنده.
وما كان الشعراء الفحول على قريب من عهد ابن طباطبا يصنعون هذا الصنيع. أبو تمام، شيخ الغوص والبديع والإشارات والتضمين كان يقدم على النظم نظمًا شعرًا لا نثر فيه، وفي كتاب العمدة خبر عنائه في أخذ قول أبي نواس:
كالدهر فيه شراسة وليان
كيف صاغ ذلك يقطع إيقاعه في نفسه تقطيعًا:
شرست بل لنت بل قانيت ذاك بذا ... فأنت لا شك فيك السهل والجبل
وقد وصف أبو تمام أمر تزاحم الإيقاع في صدره حيث قال:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وهذا البيت فطن لجودته معاصروه وهو على مذهبه قوي الدلالة.
وذكروا أن علي بن الجهم كان يقاتل وينشد:
أزيد في الليل ليل ... أم سال بالقوم سيل
يا إخوتي بدجيل ... وأين مني دجيل
(١) () عيار الشعر لمحمد بن أحمد بن طباطبا العلوي دراسة وتحقيق دكتور محمد زغلول سلام طبع إسكندرية ١٩٨٠ م- راجع تقديم المحقق ص ١١ خاصة وص ٢٣ وص ١٩ من قبل.