لاتفاقهم في باب التعمق في اللغة وآدابها، فهذا الذي صنعه الصرصري من خفي التضمين وبارعه.
وجلي أن الصرصري رحمه الله يجاري «بانت سعاد» وتستنير بصيرته بضوء قوافيها ومعانيها، غير أن مجاراة الصرصري لـ «بانت سعاد» ههنا ومجاراة غيره من مداح الرسول صلى الله عليه وسلم لها، كالبوصيري في لاميته:
إلى متى أنت باللذات مشغول ... وأنت عن كل ما قدمت مسئول
وجماعة غيرهم أورد من نظمهم في مجاراتها صاحب المجموعة النبهانية رحمه الله -وفيهم الزمخشري صاحب الكشاف والفيروز أبادي صاحب القاموس- كل ذلك أريد به أول من كل شيء التبرك، وذلك أن كعب بن زهير رحمه الله نال بها عفوًا وجائزة وذكرًا حميدًا وقد ضاهى في الجودة مذهب أبيه مع ماله من حرارة أنفاس الشباب -على أن أباه كما يعلم القارئ الكريم أصلحه الله، شديد الأسر، قوي الروح، متين الأنفاس.
ولقد أحسن الإمام يحيى الصرصري إذ يقول في أخريات لاميته
يا سيد الناس في الدنيا وسيدهم ... يوم القيامة منك الخير مأمول
حبرت فيك قصيدًا حسن مدحك في ... رؤوس أبياتها الحسنى أكاليل
رؤوس الأبيات عنى بها الروى، كما يقال للفواصل رؤوس الآي، وجعل القوافي كالأكاليل لمقاطع الأبيات هنا، لمكان هذا القري في مدحة كعب، وقد فصل هذا المعنى ووضحه في ما بعد:
نظمتها وزن من قد قال مبتدئًا ... «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول»
تبركا بأتباعي ما نحاه ولم ... أبغ المضاهاة أين الطول والطول
لقد علا كعب كعب كل ممتدح ... فمن يفاضل يومًا فهو مفضول