للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابد مع ذلك من طرب وترنيم إيقاع وذهول عن هذه النفس التي بها الصدق ولها طرح التهيب وعنها التعبير. من هذا كله عند المعري ذي التقية والدهاء والمراوغة قدر عظيم هو الذي به تفوقه شاعرًا ومزاحمته للفحول. وفي مثل قوله:

خليلي لا يخفى انحساري عن الصبا ... فحلًا إساري قد أضر بي الربط

ولي حاجة عند العراق وأهله ... فإن تقضياها فالجزاء هو الشرط

وفي مثل قوله:

تمنيت أن الخمر حلت لنشوة ... تجهلني كيف اطمأنت بي الحال

فأذهل أني بالعراق على شفا ... رزي الأماني لا أنيس ولا مال

مقل من الأهلين يسر وأسرة ... كفى حزنًا بين مشت وإقلال

من صدق الشاعرية (ترنمها وطرح تهيبها وغرفها من تجاربها وذهولها) ما ليس شيء مثل شيء منه عند الزمخشري رحمه الله. شعر الزمخشري رحمه الله شعر العلماء والمعري شاعر أولًا، على تبحره في العلم وبين العلماء.

هذا: وكان أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي نزيل مصر (توفي ٦٨٤ هـ) ممن يرون كالزمخشري من قبل أنهم آلت إليهم خلافة سيبويه وعلم كتابه. وكان صاحب تفسير ذا بسط فيه وهو البحر المحيط. وفيه من النحو مسائل وأقاويل. ولكثير من معاصرينا به شغف ولأصحاب رسائل الجامعات الآن عليه أيما عكوف. وجامع البيان أملأ بغرائب مسائل النحو من البحر المحيط لما عند ابن جرير من قوة ميل إلى طريقة الكوفيين مع حذقه أقاويل نحاة البصرة، الخليل والأخفش وسيبويه وأصحابهم انظر مثلًا وقفته عند الآية: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} آية الأنعام فإن له فيها تفصيلًا أكثر مما في معاني الفراء، جاء فيه بمقالات من سيبويه ومن أبي زيد الأنصاري وغيرهما. وما خلا أبو حيان رحمه الله من بعض غفلات سذاجة العلماء، كما في تفسيره قوله تعالى من سورة: «والضحى»: {ووجدك ضالًا فهدى} إذ زعم أن تفسير {وجدك ضالًا فهدى} قد أهمه ثم إنه غفا فرأى في المنام قائلًا يقول له إنها على تقدير حذف مضاف أي وجد رهطك ضالًا، فصحا فكتب ذلك على الفور أو كما قال، وله قصيدة طويلة يذكر فيها علمه بسيبويه ويعرض ببعض معاصريه من أهل مصر. وقد كان له بأندلسيته اعتزاز - وكانت الأندلس ثغر جهاد، فمن شرق منها يريد الحج كان بذلك جامعًا بين الغزو وأداء الفريضة فتانك فضيلتان يزيد بهما على أكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>