للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما الرأس زايل منكبيه ... فقد شبع الأنيس من الطعام

هذا على مذهبهم. قال تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}.

أيوعدنا محمد أن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام

هكذا رواية البخاري للبيت وكنت أحسب أن رواية البيت ما في رسالة الغفران «أيوعدنا ابن كبشة» وأن أصحاب الحديث حوروه تأدبًا، وبعد التأمل أرى أن رواية أصحاب الحديث هي الصحيحة، وكانوا أهل دقة، وقد رووا من كلام المشركين ألفاظًا. ولم يكن اسم الرجل الذي نبزوا بمشابهة أقواله نبينا عليه الصلاة والسلام كبشة ولكن أبو كبشة ولا يستقيم الوزن بابن أبي كبشة، فيكون الشاعر جاء به كما رواه البخاري وكما في السيرة. كان أبو كبشة فيما رووا يعبد الشعري. وفي كتاب الله: {وأنه هو رب الشعرى} - فشتان مقال النبي صلى الله عليه وسلم إذ دعا قومه ومقال أبي كبشة. وقيل أبو كبشة كنية السعدي زوج حليمة، ويجوز، وهذا ليس مما ينبز به أحد، وإيثار أبي العلاء هذه الرواية مما ينبس ببعض ما كان يخامره رحمه الله وعفا عنه، فقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالة الغفران على لسان جنيه حيث قال:

مكة أقوت من بني الدربيس ... فما لجني بها من حسيس

وكسرت أصنامها عنوة ... فكل جبت بنصل رديس (١)

وقام في الصفوة من هاشم ... أزهر لا يغفل حق الجليس

يسمع ما أنزل من ربه الـ ... ـقدوس وحيًا مثل قرع الطسيس (٢)

يجلد في الخمر ويشتد في الـ ... ـأمر ولا يطلق شرب الكسيس (٣)

ويرجم الزاني ذا العرس لا ... يقبل فيه سؤلة من رئيس

وقال حسان رضي الله عنه:


(١) كل جبت أي كل صنم مردوس أي بفأس.
(٢) أي مثل قرع النحاس.
(٣) الكسيس: النبيذ، كأن المعري ينكر بهذا على من أجاز شرب النبيذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>