هذا الشعر شدد انفعال العاطفة لمتأمله. وحسان الذي يقول «يا ليتني لم أولد» كان إذ قال هذا ابن سبعين سنة أو زاد عليها
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلًا ... في روحة من يومنا أو في غد
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا ... محضًا ضرائبه سكري المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورًا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتد
يا رب فاجمعنا معًا ونبينا ... في جنة تنبي عيون الحسد
فهذا تعريض بمن يكون حديث عهد بالإسلام وفي ضميره للأنصار عداوة، وقد حف أهل الردة بالمدينة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل فلولا ما هدى الله إليه سيدنا أبا بكر من التشمير، ولكن الله سلم، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حمام.
في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلي والسؤدد
والله أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودًا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم تجحد
والله أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد
هذه القصيدة من نفيس شعر حسان وجيده. والأسى على ما صار إليه أمر الأنصار جلي كما ترى. وفي شرح نهج البلاغة شعر سياسي ذو لهجة شديدة منسوب إلى حسان
- تناول رجال قريش ونسب بعضهم إلى نوع من حمية الجاهلية كقوله:
وعكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل
وهذا الشعر منحول. ومما يكون جرأ على انتحاله وانتحال أمثاله ما في هذه المرثية (١) من مستكن معاني السياسة مع ما هي مشتملة عليه من اللوعة والحزن العميق. روى أبو عبيدة بيت يا ويح أنصار النبي إلخ هكذا:
(١) لا نعني أن المرثية منحولة. كلا. ولكن صحتها جرأت من ينتحل ما ينتحله محذوا على نموذجها.