إليه خلوصًا آخر الأمر بعد أن خبت جذوة القصيدة المادحة وما أشبهها مما هو من سنخها كقصيدة الفخر وشكوى الحال والمراثي الحسان: من ذلك أن طاعة الله في غير عزائمه التي جاء بها الكتاب وهدت إليها السنة واتلأب عليها أمر العبادة والعمل الصالح، باب واسع. وأن هؤلاء الشعراء الثلاثة الذين ذكرهم، أبا تمام وأبا عبادة وأبا الطيب، كانوا أهل جد على وجه العموم، وأمرهم في دينهم أعلم به خالقهم، ولعلهم فائزون برضاه. وقد خدموا بشعرهم رؤساء وأمراء من أهل الجهاد والذود عن حياض الإسلام. وروح الجهاد في بائية أبي تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب
جلية لا تحتاج إلى دليل- وفيها يذكر وقعة عمورية:
أبقيت جد بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في صبب
وفيها مما فيه توكيد لمعنى الجهاد:
لو كان بين صروف الدهر من رحم ... موصولة أو ذمام غير منقبض
فبين أيامك اللاتي نصرت بها ... وبين أيام بدر أقرب النسب
والمدح المستكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم هنا كما ترى
وقال في مدح الخليفة وما مدحه إلا بالجهاد هنا:
أجبته معلنًا بالسيف منصلتا ... ولو أجبت بغير السيف لم تجب
حتى تركت عمود الشرك منعفرا ... ولم تعرج على الأوتاد والطنب
وقال في كلمة مدح بها عمرو بن طوق فصرح في أثناء مدحه بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم يذكره أن له به -لو اقتدى بسنته أسوة حسنة: -
لك في رسول الله أعظم أسوة ... وأتمها في سنة وكتاب
أعطى المؤلفة القلوب رضاهم ... كملًا ورد أخايذ الأحزاب
فقوله «أعظم أسوة» هو شاهدنا ههنا.
وقال في رائية مقتل الأفشين:
هذا الرسول وكان صفوة ربه ... ما بين باد في الأنام وقارى