وأغلب الظن أن قومه كانوا يعجبون من أمره شاعرًا يتحدث في ذم الدنيا ولا يمدح رسول الله عليه الصلاة والسلام -فقد مدحه في رسالة الغفران وههنا ونونيته في سقط الزند:
عللاني فإن بيض الأماني ... فنيت والظلام ليس بفاني
فيها من روح المديح وإن كان جرى به على وجه من وجوه الميل إلى التشيع وهو قوله:
أحد الخمسة الذين هم الأغر ... ـراض في كل منطقة والمعاني
ومن أقدم مدائح التعبد رائية الزمخشري (توفي رحمه الله سنة ٥٣٨ هـ) التي مطلعها:
قامت لتمنعني المسير تماضر ... أني لها وغرار عزمي باتر
وهي في جملتها من فصيح الكلام وفيها أبيات جياد وعواطف طيبة وصدق تجود معه المعاني.
والزمخشري قد عزم على هجرة أوطانه إلى بيت الله الحرام لا لأداء الفرض وحده ولكن للمجاورة عند البيت الحرام بعد أداء الفريضة وزيارة القبر الشريف. بدأ الزمخشري كلمته بحماسة أعلن بها تحديه لتماضر وفخر عليها بأنها إن تك ظبية فهو ليث العرين. ثم أمرها أن تصبر. ثم خلي سبيلها غير مبال ما تقول عنه في شكواها. وما يخلو الزمخشري من أن يكون ضمن تماضره هذه معنى الدنيا وزهرتها غير أنه رحمه الله ما كان يخلو من جانب خشن إلى النساء والرفق بهن ما أمر به المولى عز وجل وذلك قوله سبحانه وتعالي:
{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} من تخشين الزمخشري لتماضر، وينبغي أن نحملها معنى الدنيا، حتى يتم عندنا إن شاء الله معنى إعراضه وتخشينه:
حني رويدا لن يرق لظبية ... وبغامها ليث العرين الزائر
سيأكلها إن كان جائعًا وإلا فإنه سيرق- فلعلك أن تلمح في المعنى هنا بعض الاضطراب.