للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرخي قناعك يا تماضر وامسحي ... عينيك صابرة فإني صابر

هذا البيت تخالطه رقة، ومصدرها قوله «أرخي قناعك» فإنها إن تكن ممن يحل له فكشفها قناعها أشبه بحال الطبيعة، فما يكون أمره إياها بإغداف القناع -وارخاؤه إغدافه- إلا أن وجهها وعينيها أثرتا فيه، فلاذ بهذا الأمر الذي ظاهره خشونة وباطنه رقة. وإن تكن محرمًا فهو زجر دفعته إليه رقة مستكن الحب، حب الأخت والأم والمحرم، والعرب كانت مما تذكر بناتها وما إلى ذلك في باب السفر كقول الراعي:

قالت خليدة ما عراك ولم تكن ... أبدًا إذا عرت الشئون سئولا

أخليد إن أباك ضاف وساده ... همان باتا جنبه ودخيلا

وقال الأعشى:

تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم

والزمخشري من أعلم الناس كان بالعربية وبالشعر.

لو أشبهت عبرات عينك لجة ... وتعرضت دوني فإني عابر

أخذ هذا من رائية وضاح اليمن، ولكنه أخذ جيد وجانب العاطفة فيه قوي.

إني لذو جد كما جربتني ... صلب وبعض الناس رخو فاتر

وقع في الطبع خطأ إذ هو هناك «إني لذو وجد كما جربتني صلب» وهذا لا يستقم به المعنى وإنما هو لذو جد وهذا البيت كأنه أراد به أن يستمر في معنى ليث العرين ومضاء العزم، ولو كان تنبه للأمر رحمه الله لكان قد تبين له أنه قد فرغ من المعنى كله عند قوله «فإني عابر» فإن رام زيادة بعد ذلك فإنها تحسن إن جاءت غنائية محضة، وهذا باب قل من يحسن طرقه، بله أن يؤذن له- مثلًا قول البحتري:

إني وإن جانبت بعض بطالتي ... وتوهم الواشون أني مقصر

ليروقني سحر العيون المجتلى ... ويشوقني ورد الخدود الأحمر

البيت الأول تام معناه، ولكن الشاعر احتال على التغني بجعله شرطًا يحتاج إلى جواب، ثم لما أتم المعنى والغناء معًا صرف شعره إلى المدح إذ لم يبق في الذي كان بصدده من زيادة لمستزيد- وقال أبو تمام:

<<  <  ج: ص:  >  >>