فاختيار تماضر لم تمله عليه القافية بل فيما أرى من أجله جعلت القافية هكذا إذ قد تقمص الزمخشري رحمه الله شيئًا من نفس هذه الكلمة المختارة.
سيري تماضر حيث شئت وحدثي ... إني إلى بطحاء مكة سائر
ضبط في المجموعة بفتح همزة أن على أن هذا حديثها والوجه القوي وهو المقصود إن شاء الله الكسر أي اذهبي أنى شئت وحدثي الناس أني فارقتك- إني سائر إلى بطحاء مكة، هذا عزمي وأنا به صارح. يدلك على أن هذا كلام مستأنف تعلق ما بعده به:
حتى أنيخ وبين أطماري فتى ... للكعبة البيت الحرام مجاور
متعوذ بالركن يدعو ربه ... يشكو جرائر بعدهن جرائر
يشكو جرائر لا يكاثرها الحصى ... لكنها مثل الجبال كبائر
ظاهر الشكوى أنه يشكو جرائر جرها عليه غيره، إذ لم يعين أنه صاحبها. ثم كأنه في البيت التالي لبيت الركن يلوم نفسه مع بقاء الإيهام بجواز كون الجرائر من غيره، والذي يشعر بلوم نفسه قوله لا يكاثرها الحصى لكنها مثل الجبال- فكأن هذا تأمل منه لنفسه وفيه بعض نفس انكسارة. يقوي هذا الوجه الذي نذهب إليه قوله من بعد:
والله أكبر رحمة والله أكـ ... ـبر نعمة وهو الكريم القادر
وأحق ما يشكو ابن آدم ذنبه ... وأحق من يشكو إليه الغافر
فدل بهذا أنه قد عني نفسه وإن كان قد بدأ بها يوهم شكوى ذات عموم.
فعسى المليك بفضله وبطوله ... يكسو لباس البر من هو فاجر
يلاحظ على صياغة الزمخشري الصحة وقصد الفصاحة ولكنه بالتزامه ذلك ربما جاء بالكلام جافًا غير عذب الرنين- قوله «لا يكاثرها الحصى لكنها مثل الجبال» فيه تعب صناعة وتكلفها لأنه لما شبه الذنوب في الكثرة بالحصى بالغ فكبر هذا الحصى فجعله جبالًا لأن الذنوب كبائر وفي كبائر هنا معنى الكبر الذي في الجبال لا معنى الكبر الذي يجعل صاحبه في منزلة بين المنزلتين على رأي المعتزلة، فكأن قوله حصى كبائر أي كبار مثل الجبال يحترس به أن تظن كبائر من نوع الفواحش اللواتي هن من كبائر الإثم. وقوله يكسو لباس البر من هو فاجر فالفاجر ضد البر بفتح الباء فمن لبس لباس البر بكسر الباء فهو بر بفتحها. ههنا أيضًا عمل وتعب. وقوله:«وأحق من يشكو إليه الغافر»، إن أراد بالغافر المولى سبحانه وتعالى وهذا من أسمائه لقوله تعالى: {غافر الذنب