للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقابل التوب} فهو لا بأس به، وإن أراد أحق من يشكو إليه من يغفر ذنبك ففيه نظر. والعرب تقول: أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك. والذي يصح به المعنى ويستقيم أن يريد بالغافر الله عز وجل، وإيهام قصد عموم المعنى يدخل في سنخ صياغة هذا البيت نوعًا من ضعف.

يا من يسافر في البلاد منقبًا ... إني إلى البلد الحرام مسافر

عجز البيت حسن لأنه تغن بتكرار المعنى الذي سبق «إني إلى بطحاء مكة سائر» ولكن الصدر ضعيف، أولًا لأن النداء خارج عن السياق، إذ السياق يقتضي أن يكون ينادي تماضر وما يشبه معناها. فقد ترك زجرها ليزجر غيرها وهذا تشويش- ويمكن أن يعتذر له بما تقدم ذكره من أن تماضر رمز للدنيا وزهرتها وطلب متاعها الفاني، فقوله:

يا من يسافر في البلاد منقبًا

كأنه يقول به: «يا من غرته تماضر» أي الدنيا فخرج يطوف في الآفاق يريد المال والجاه.

إن هاجر الإنسان عن أوطانه ... فالله أولى من إليه يهاجر

وتجارة الأبرار تلك ومن يبع ... بالدين دنياه فنعم التاجر

تالله ما البيع الربيح سوى الذي ... عقد التقي وكل بيع خاسر

نظم هذه الأبيات مستقيم، إلا أنها قليلة الرونق وذلك أنها لم تعد أن نظمت بعض معاني آي الكتاب كقوله تعالى: {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} ونظم معاني الآي مسلك مزلة، والحاذق من يقصد قصد الاقتباس والإشارة، إذ أن المصباح لا يضيء في الشمس، وبلاغة القرآن ضوء شمسها غامر باهر، ولا ريب أن الزمخشري قصد إلى معنى الاقتباس، فسلك بما سلكه من نظم المعاني القرآنية مسلكًا يجعل شعره تعليمي المعدن، فذلك يكسبه من الجفاف ويذهب ببعض الرونق. ثم يقول رحمه الله، يشكو الذنب، بانكسارة عابد، على أنها انكسارة فيها جانب من شدة نفس العالم اللغوي التي لا تفارق الزمخشري رحمه الله:

خربت هذا العمر غير بقية ... فلعلني لك يا بقية عامر

وعهدتني في كل شر أولًا ... فلعلني في بعض خير آخر

في طاعة الجبار أبذل طاقتي ... فلعلني فيها لكسري جابر

تأمل الطباق في كل بيت- ولكنه سهل سائغ، ونفس شاعر ينتظم هذه الأبيات فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>