وإنما يقبل الناس الحجر اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي وضعه في موضعه بعد أن أوشكت قبائل قريش أن تقتتل حرصًا منها ألا تنفرد واحدة منها بشرف وضعه- فكفاهم الله ذلك بمحمد الأمين، إرهاصًا بما أعده له من وحيه وإكرامه بأن يكون خاتم الأنبياء المرسلين الداعي إلى توحيد الله لا نشرك به شيئًا «إليه أدعوا وإليه مئاب» - صلى الله على نبينا وسلم تسليمًا وعلى آله وصحبه.
ثم أخذ الزمخشري يصف نفسه حاجًا قائمًا بما يقوم به الحاج.
فبذلك البيت المطهر طائف ... في ثوبي الإحرام أشعث حاسر
فمبادر للسعي ما بين الصفا ... والمروة والعبد المجد مبادر
التعبير مستقيم غير أن في نظم البيت عناء وقلة رونق في الديباجة- كأنها إلى تخشين النظم التعليمي أقرب. ويعتذر لذلك بما يخالطه من أرب التعبد.
فمراقب نفر الحجيج إلى منى ... فإلى منى قبل المعرف نافر
أي نافر إلى منى قبل يوم عرفة والمعرف بضم الميم وفتح الراء مشددة.
بهم يباهي الله في ملكوته ... أهل السماوات العلى ويفاخر
حتى إذا دلكت براح فطارق ... جمعًا فمنه إلى المحصب نافر
جمعًا: أي مزدلفة. طارق أي آت بليل ليذكر الله عند المشعر الحرام ويجمع فيها بين المغرب والعشاء جمع تأخير. دلكت براح بكسر الباء وراح جمع راحة وفيه قولان ذكرهما الطبري عند تفسير آية الإسراء فمن قال غربت قال إن المأمور بصلاتها المغرب ومن قال مالت عن الزوال قال إن المأمور بها صلاة الظهر ورجح الطبري القول الأول وبكليهما قيل وبراح بوزن قطام قيل اسم للشمس وبراح بكسر الباء من مسح العينين لمعرفة الزوال أو المغيب يدلك المرء عينيه لاتقاء الشعاع والذي هنا براح بفتح الباء إذ ليس في الحاء تنوين وأنشدوا- ذكره الطبري والقرطبي وصاحب المجاز جميعًا:
هذا مقام قدمي رباح ... ذيب حتى دلكت براح
وآية الإسراء هي {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا}.
والوقوف بعرفة الواجب الذي الإخلال به فيه الدم هو ما بين الزوال إلى الليل ولا يجزئ الوقوف قبل الزوال- هذا في مذهب مالك، أعني كونه واجبًا، والوقوف الذي هو أحد أركان الحج التي لا حج للمرء بدونها هو عند مالك ما يكون في جزء من الليل فإن نفر قبل الغروب فلا حجة له وعند غيره يجزئه الوقوف بعد الزوال.