وقوله «بهم يباهي»، أخذه من الحديث ومعنى المباهاة جلي أي يرى الله الملائكة حجاج بيته شعثًا غبرًا وهم بذلك أبهى منهم، إذ لا يخفى أن الملائكة لا يباهون الله عز وجل إذ هم عبيده {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}. ويفاخر اضطرت الزمخشري إليها القافية ويمكن تأويلها على قريب من نفس المعنى في عسر.
فمجمر فمقصر أو حالق ... نحر النهار فللنسيكة ناحر
وفي الجناس «نحر- ناحر» عمل كعمل المعرى وجهد علماء وكان المسلمون إلى زمان قريب يؤثرون الحلق على ترك الشعر سائبًا كما يفعل الناس اليوم. وإنها سيب الناس شعورهم بتقليد الإفرنج، ثم إذا بعضهم يفطن ويفطنهم إلى أن ذلك كان من عمل العرب.
وكان بدو البجاة عندنا ولا يزال ذلك دأبهم يتركون شعرهم ينمو على الرؤوس ويسقونه الدهن.
وقال ابن الطثرية يصف شعره:
فيهلك مدرى العاج في مدلهمة ... إذا لم تفرج مات غمًا صؤابها
والصواب صغار القمل (١).
وكان ثور أخوه قد عاقبه بحلق رأسه إذ تعدى مرارًا على إبله فنحر منها فقال في هذه الكلمة:
فأصبح رأسي كالصخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها
وقال الشنفري:
ويوم من الشعرى يذوب لوابه ... أفاعيه في رمضائه تتململ
نصبت له وجهي ولا كن دونه ... ولا ستر إلا الأتحمي المرعبل
وضاف إذا هبت له الريح طيرت ... لبائد من أطرافه ما ترجل
بعيد بمس الدهن والفلي عهده ... له عبس عاف من الغسل محول
نحر النهار أوله.
وحلق الرأس الذي كان يفعله الرجال في أكثر بلاد إفريقية تبركًا بعمل الحج بالنسبة إلى حال أكثرهم أصح وأدخل في حاق النظافة، ومن سيب عملًا بما كانت عليه عادة العرب في غير الحج وجاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أفرع فوجه الصواب والبركة في ما قصد إليه ظاهر ومثل هذا لا ريب يلتزم بالنظافة التي سن الشرع
(١) راجع التماسة عزاء بين الشعراء للمؤلف ص ١٣٥ - ١٣٧.