وإنما الأعمال بالنيات، وفي خبر الحديبية ما يشعر بتفضيل الحلق على التقصير في العمرة ثم جعل الله سبحانه وتعالى لهما معًا الفضيلة في قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون} [الفتح].
وقال الزمخشري من بعد فأخذ في مدح النبي صلى الله عليه وسلم جاعلًا الزيارة تتمة لما كان من أداء الفريضة، وكأن الحاج حين يقصد المدينة يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هاجر، وبعض أهل الفضل والعزم الصحيح يتعمدون سلوك طريق الهجرة يتبركون بذلك:
ومتى تضم قتود رحلي ضامرًا ... يهفو به نحو المدينة ضامر
عنى بالضامر الأول نفسه وبالضامر الثاني بعيره.
ماض على الظلماء يخبطها إلى ... بلد أضاء به السراج الزاهر
يهوي إلى قبر النبي محمد ... خببًا كما زف الظليم النافر
أما يهوى فقرآنية (سورة ابراهيم) وأما «الظليم النافر» فجاهلية- وكان ينبغي أن يلتمس تمام البيت بغير قوله «كما زف الظليم النافر» إذ كأنه غير تام الملاءمة لما سبق، لأن الهوى تناقضه حركة النفار، فتأمل.
لله ميت بالمدينة قبره ... قصر مشيد والقصور مقابر
المراد من المعنى ظاهر ولكن الأداء قاصر، إذ من القبور ما يبنى كالقصور كتاج محل. ولكن مراده أنه قصر في القلوب والأرواح معمور بالمحبة النابعة من صدق التقوى والإيمان، ولا معنى للموازنة من بعد إذ شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك. ويأبى الزمخشري رحمه الله إلا أن يقحم بعض ما كان يشعر به من تبرم ممن لم يكن عنهم ذا رضا.
لله ميت كل حي لم يكن ... بهداه حيًا فهو عظم ناخر
هذا البيت بحمد الله جيد ومعانيه من القرآن- قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام] وقوله تعالى: {أئذا كنا عظامًا نخرةً} [النازعات] وقرأ الكسائي «ناخرة» وقال الطبري إنها أعجب القراءتين إليه، وكان الزمخشري رحمه الله كثير الاتباع للطبري في تفسيره جزاهما الله عن هذا العمل الحميد خيرًا.
ثم أخذ الزمخشري بعد هذا البيت الجميل في ذكر معنى قريب من نفسه، وذلك أنه كان أعرج فلا يقدر على الغزو وكان ذلك زمان جهاد لإبراز الصليبيين أنيابًا