للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يرع لا الرحم ولا الله سبحانه عز وجل فقصمت عنقه وهو في أوج ما كان يظن لنفسه من نصر- وأول كلمة الأبيوردي:

خاض الدجى ورواق الليل مسدول ... برق كما اهتز ماضي الحد مصقول

أشيمه وضجيعي صارم خذم ... ومحملي برشاش الدمع مبلول

وصدق من نعت الأبيوردي بأنه صاحب ألفاظ لا معان فأول هذا البيت من أبي الطيب وأخره من أمرئ القيس.

ومن غزلها بعد أن ذكر السير- وإنما جاء بالغزل بعد السير لجعله المحبوبة ذكرى وطيفًا-

واعتاده من سليمي وهي نائية ... ذكر يؤرقه والقلب مبتول

ريا المعاصم ظمأي الخصر لا قصر ... يزري عليها ولا يزرى بها طول

فالوجه أبلج واللبات واضحة ... وفرعها وارد والمتن مجدول

كأنما ريقها والفجر مبتسم ... فيما أظن بصفو الراح معلول

فهذا منهج كعب، وقال النبهاني في مقدمة مجموعته (١): «والذي عليه الأكثرون أن التشبيب بمعين غير من يحل له من زوجة أو جارية، وبغير معين، جائز لأن المقصود منه تحسين الشعر وترقيقه على عادة الشعراء، وسماعه جائز أيضًا إن لم يفتتن به سامعه بأن يهيجه إلى المعصية أو يطبقه على من يحرم تمتعه به، هذا في مطلق الغزل، وهو في المدائح النبوية غير مستحسن مطلقًا، لأن الغزل ولو في غير معين، المشتمل على وصف الخدود والقدود والأرداف وما أشبه ذلك من أوصاف النساء والغلمان التي من هذا القبيل، وما يجري للعاشق مع المعشوق من السفاهات والترهات هو مما يأبى ذكره الذوق السليم، والطبع المستقيم، في مقدمة قصيدة يمدح بها أحد العلماء العاملين، والأولياء العارفين، فضلًا عن سيد الأنبياء والمرسلين، وصفوة خلق الله أجمعين، صلى الله عليه وسلم أما قصيدة «بانت سعاد» التي اتخذها دليلًا بعض من سلك هذا المسلك واستحسنه وهو في نفسه غير حسن فهي لا تصلح دليلًا لذلك لأن ناظمها كعب بن زهير رضي الله عنه كان قبل إسلامه شاعرًا جاهليًا فنظمها على طريقتهم قبل أن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسلم على يديه ويعرف آداب الإسلام، وما ينبغي أن يخاطب به سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له ولغيره على ذلك لعله لهذا السبب وقرب عهدهم بالجاهلية وعوائدها مع علمه صلى الله عليه وسلم أنهم لم يقصدوا بغزلهم معينًا، وإنما هو شيء جرى على


(١) مقدمة النبهاني- الفصل الخامس.

<<  <  ج: ص:  >  >>