للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاعدتهم فلا يترتب عليه محذور، وحينئذ لا حاجة إلى الجواب بأن سعاد هي زوجته ابنة عمه وقد طالت غيبته عنها، لأن تشبيب الرجل بزوجته وإن كان جائزًا إلا أنه مخل بالمروءة كما هو ظاهر ونقله في الزواجر عن بعض الفقهاء. ولو صدرت منه هذه القصيدة بعد إسلامه واجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته أحكام الدين وآداب المسلمين، ولزوم كمال التأدب في خطاب سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، لربما كانت تصلح أن تكون دليلًا لمن سلكوا هذا المسلك ويدل على ما قلته أنه رضي الله عنه لم يحصل منه مثل هذا التشبيب بعد إسلامه ولا من أحد من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم كحسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وغيرهم من شعراء الصحابة رضي الله عنهم في مقدمة شعر مدحوا به النبي صلى الله عليه وسلم إلا مع قرب عهدهم بالجاهلية وعوائدها، أما بعد ذلك فلم يرو عن أحد منهم شيء من هذا القبيل. وكيف يكون ذلك وهم أوفر الناس عقولًا وأعظم الناس أدبًا مع الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً} أتراهم بعد أن سمعوا هذا يضعون سفاهات الغزل بالنساء وأوصافهن المتهجنة موضع الصدقة في مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حاشاهم ثم حاشاهم، ونحن مع ما بيننا وبينهم من الفرق العظيم في كل وصف جميل عقلًا وشرعًا، ندرك بالبداهة عدم استحسان ذلك. ١. هـ».

وقد حذف الغزل من همزية حسان وأثبت نعت الخمر فلم يجيء من غزله إلا بقوله:

لشعثاء التي قد تيمته ... فليس لقلبه منها شفاء

كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء

إذا ما الأشربات ذكرن يومًا ... فهن لطيب الراح الفداء

ولا يمكن أن يزعم لحسان أنه قال هذه القصيدة وهو حديث عهد بإسلام فقد قيلت في فتح مكة ومسلمو المدينة قد أسلم منهم العدد الصالح على يد أوائل الأنصار من أهل البيعة الأولى كأسعد بن زرارة رضي الله عنه.

ولحسان في ميمية بدر غزل منه قوله:

بنيت على قطن أجم كأنه ... فضلًا إذا قعدت مداك رخام

فهذا من نعت الجسم لا يخفى. وفي الأبيات الهمزية قول حسان رضي الله عنه:

كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء

<<  <  ج: ص:  >  >>