الطريق في المدح النبوي مشعر بقلة الأدب، وحسب العاقل قول الله تعالى:{ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} أ. هـ.
على أن الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله كأن قد رجع عما قطع به من أن الغزل في المدائح النبوية على الوجه الذي نصه، سوء أدب إذ قال في الفصل السادس:«كنت عزمت أن لا أضع في هذه المجموعة شيئًا من القصائد التي وقع التشبيب فيها بوصف الولدان والنساء الحسان لئلا أكون شريكًا لناظميها فيما يلحقهم من الملام بتغزلهم بما ذكر في مقدمة مديح النبي عليه الصلاة والسلام ثم رأيت ذلك في كثير من غر القصائد فلم تسمح نفسي بحرمان المجموعة من ذلك الدر النظيم وحرمان أولئك الأفاضل من هذا المقام الكريم والفضل العظيم بإدخالهم هنا في جملة مداح هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. ولئن أساءوا رحمهم الله وعفا عنهم من تلك الجهة بعض الإساءة، فقد أحسنوا من جهة مديحهم للنبي صلى الله عليه وسلم كل الإحسان. وقد قال صلى الله عليه وسلم أتبع السيئة الحسنة تمحها. وفي حديث آخر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. ولا يخلو أمرهم من إحدى هذين.
وعلى كل حال فقد فازوا بأعظم الحسنيين، مع أن مقاصدهم في تغزلهم بتلك الحبيبة وذلك المحبوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب. بل الظاهر المتعين أنهم ليس مرادهم ما يتبادر للأفهام من ذلك الكلام. مع أنا نعلم أن تغزلات الشعراء منذ عهد الجاهلية إلى الآن هي جارية هذا المجرى بدون أن تعاب من أحد من أهل هذه الصنعة بل يعدون ذلك من محاسنها وإنما جاءها العيب الذي شرحناه من جهة رعاية الأدب اللازم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لجاءت على القياس ولم يكن فيها بأس وقد غلبت عليهم رعاية الصنعة الشعرية فجروا على قاعدتها بدون سوء قصد ولا فساد نية ولذلك رجعت عن عزمي الأول وأدخلتها في هذه المجموعة كغيرها راجيًا من الله تعالى ثم من النبي صلى الله عليه وسلم العفو عني وعنهم والقبول مني ومنهم أن الحسنات يذهبن السيئات وإنما الأعمال بالنيات. أ. هـ».
قلت قولنا بعد أبيات الأبيوردي الأربعة فهذا منهج كعب ربها أغنى عن الإطالة، غير أن كلام الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله في غاية الأهمية، لما فيه من تقرير قوة الصلة بين القصيدة القديمة وهذه النبوية التي خلفتها، ولا يخفى ما في الرجوع الذي رجعه من سماحة النفس ومن استشعار بركة الأرب الذي من أجله صمم مجموعته النفيسة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.