هذا:
ونقف يسيرًا عند قول الأبيوردي رحمة الله عليه:
كأنما ريقها والفجر مبتسم ... فيما أظن بصفو الراح معلول
فقوله والفجر مبتسم يشير به إلى المعنى الذي يكرره الشعراء من ذكر طيب رائحة الفم بعد الرقاد عند الفجر والغالب أن تتغير رائحة الفم انئذ- قال اليشكري يصف ثغر رابعته:
أبيض اللون لذيذًا طعمه ... طيب الريق إذ الريق خدع
قال الشارح (١) يقال خدع ريقه إذ تغير.
وقوله فيما أظن احترس به من ناقدي الغزل وفيه نظر إلى دفاع المعري عن حسان في رسالة الغفران واستمر يعتذر عن غزله فقال:
صدت ووقرني شيبي فيها أربي ... صهباء صرف ولا غيداء عطبول
وحال دون نسيبي بالدمى مدح ... تحبيرها برضا الرحمن موصول
أزيرها قرشيًا في أسرته ... نور ومن راحتيه الخير مأمول
هنا مع مجاراة كعب ومحاكاته (نظر إلى «لنور يستضاء به» أو «لسيف يستضاء به» وإلى «والعفو عند رسول الله مأمول»)، مع هذا نظر شديد إلى الكميت وأخذ منه.
قوله: وقرني شيبي، من قول الكميت: ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب.
وقوله: «فما أربي صهباء صرف ولا غيداء عطبول».
من كلمات الكميت: «طربت وما شوقًا -ولا لعبًا- ولم يلهني دار إلخ».
وقول الأبيوردي: «أزيرها قرشيًا إلخ».
من قول الكميت:
ولكن إلى أهل الفضائل والنهى ... وخير بني حواء والخير يطلب
بني هاشم رهط النبي فإنني ... بهم وهم أرضى مرارًا وأغضب
فجعل الأبيوردي قرشيًا مكان قول الكميت بني هاشم، فهذا ما قدمناه من معنى أمويته.
على أنه رحمه الله قد سار في سائر المدحة على منهج منبئ بأن القصيدة النبوية على زمانه قد اتلأبت على منهاج واضح: النسيب الرمزي أو ما بمجراه وقد يستغنى عنه، التخلص إلى مدحه صلى الله عليه وسلم، الاختتام بالصلاة عليه وذكر أصحابه-
(١) شرح الأنباري الكبير ص ٣٨٣.