قال الأبيوردي:
يا خاتم الرسل إن لم تخش بادرتي ... على أعاديك غالتني إذن غول
والنصر باليد مني واللسان معًا ... ومن لوى عنك جيدًا فهو مخذول
وكل صحبك أهوى فالهدى معهم ... وغرب من أبغض الأخيار مفلول
هذا من الحديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. ثم خلص إلى الخلفاء الأربعة ومضى على منهج أهل السنة أنهم خير الصحابة أو كما قال اللقاني في الجوهرة:
وخيرهم من ولي الخلافة ... وأمرهم في الفضل كالخلافة
ثم خصص الشيخين بجمعها معًا ومفهوم ضمنا أن أبا بكر رضي الله عنه هو المقدم، وأحسب أن سبب هذا التخصيص أراد به الطعن في الروافض على وجه من التعريض:
وأقتدي بضجيعيك اقتداء أبي ... كلاهما دم من عاداه مطلول
وهل عنى بقوله «أبي» آبائي أم كان أبوه ذا موقف في هذا الاقتداء عرف به، فأراد الأبيوردي أن يدل على مكان قدم هذا الاعتقاد عنده؟
ومن كعثمان جودًا والسماح له ... عبء على كاهل العلياء محمول
وأين مثل علي في بسالته ... بمأزق من يرده فهو مقتول
أي من مثل علي في الشجاعة وخوض المآزق التي يخاف فيها الهلاك وواردها مقتول. الكلمة بلا شك مأزق ميم وألف همزة وزاي وميم لا ألف بلا همزة وذال معجمة، فهذه لا معنى لها. وينظر الأبيوردي إلى قول أبي تمام:
والحرب قائمة في مأزق لحج ... تجثو الكماة به صغرًا على الركب
وفي عبارة الأبيوردي على قوة تبدو في صناعة لفظه قصور عن أداء المعنى على تمامه.
وآخر القصيدة:
إني لأعذل من لم يصفهم مقةً ... والناس صنفان معذور ومعذول
فمن أحبهم نال النجاة بهم ... ومن أبى حبهم فالسيف مسلول
والمعنى المراد حسن إلا أن اللفظ مقصر عنه، إذ القسمة في كلا البيتين غير صحيحة إذ ليس الناس صنفين: معذور ومعذول ولكن معذور وغير معذور؛ أو معذول وغير معذول فيدخل في (غير معذور) من هو ملوم ومن هو ليس بحاجة أن يعذر إذ لم يقع منه ما يوجب ذلك، (على أن أكثر ما يستعمل «غير معذور» للدلالة على الملوم ولكن قصدنا إلى معنى القسمة المنطقية الصحيحة). وهذا أظهر في معذول وغير معذول إذ يدخل في (غير المعذول) من كان معذورًا ومن لم تكن به حاجة لأن يعذر أو نحو ذلك مما يشعر بسبق خطأ أو ذنب.