وقوله فالسيف مسلول لا يقابل (نال النجاة بهم) لأن السيف قد يسل ولا يقع، والمعنى الصحيح أن من أحبهم نال النجاة بهم ومن أبى حبهم لم ينل النجاة وكان مصيره الهلاك.
ورحم الله الأبيوردي فقد رام بما صنع سبيل الثواب، وإنما الأعمال بالنيات، وهو بعد من أقدم كبار الشعراء في زمانه، نظم قصيدة خالصة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ومدح أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ويقوى ما ذهبنا إليه من أن مدحة الأبيوردي قد سار بها على نهج قد استقامت عليه بنية القصيدة النبوية ما صنعه المعري وهو أسبق من الأبيوردي في القطعة اللزومية.
دعاكم إلى خير الأمور محمد ... وليس العوالي في القنا كالسوافل
حداكم على تعظيم من خلق الضحا ... وشهب الدجى من طالعات وآفل
وألزمكم ما ليس يعجز حمله ... أخا الضعف من فرض له ونوافل
وحث على تطهير جسم وملبس ... وعاقب في قذف النساء الغوافل
وحرم خمرًا خلت ألباب شربها ... من الطيش ألباب النعام الجوافل
يجرون ثوب الملك جر أوانس ... لدى البدو أذيال الغواني الروافل
فصلى عليه الله ما ذر شارق ... وما فت مسكًا ذكره في المحافل
هذا البيت الأخير من صميم أسلوب القصيدة النبوية. وما قبله سار به أبو العلاء على مذهب الخطباء الوعاظ إذ لا يخلو قوله دعاكم وحداكم وألزمكم من جفاء؛ وكان أدخل في المدح لو قال: دعانا، حدانا، ألزمنا، فلم يبد كأنما قصد إلى أن يخرج نفسه. والوجه ما قدمنا أنه ذهب مذهب الخطباء الوعاظ، وكمذهب أبي العتاهية في نحو:
لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى ذهاب
ولكن أبا العتاهية كان نديمًا داهية يعرف كيف يتأتى إلى القبول لدى نفوس ملوكه الذين يعظهم- فسرعان ما ترك الخطاب إلى ضمير المتكلمين الجماعة ثم إلى ضمير المتكلم الواحد:
لمن نبني ونحن إلى تراب ... نصير كما خلقنا من تراب
ألا يا موت لم أر منك بدًا ... أبيت فلا تحيف ولا تحابي
كأنك قد هجمت على مشيبي ... كما هجم المشيب على شبابي