ضمن الأوراد وأكثر الشعراء المداح من مجاراتها حتى نظم الشيخ يوسف النبهاني من المتأخرين، قصيدة طويلة بلغ بها ألف بيت على هذا الروي.
ولو قد وقف أمر الهمزيات عند هذا الحد لكان للناقد عن الإفاضة فيه مندوحة ومستماز إذ قل من المداح من أجاد إجادة البوصيري أو كاد يدنو من غباره. ولكن أبي شيطان الشعر الجموح إلا أن يغوي أحمد شوقيًا فيركبه مركب الحرث وابن قيس الرقيات بعد أن صار كودنا. وقد كان لشوقي من عظيم الثقة بنفسه ما اغراه بأنه عسى أن يعيد إلى همزيات الخفيف رونقها القديم - فاصطنع أسلوب البوصيري في التطويل والتفصيل، ونهج نهج الحرث في الفخر، والعنجهية القبلية. والجدل الذي لا يراد به رفع راية الإسلام، وإنما تمجيد الفراعنة ومدح بناة الأهرام والإشادة بالوطنية المصرية القديمة، فقال كلمته الطويلة المعروفة (١):
همت الفلك واحتواها الماء ... وحداها بمن تقل الرجاء
وقد كان شوقي رحمه الله مولعًا بالتاريخ، حريصًا على نظمه. وقد كان غاب عنه أن أوميروس وأضرابه من قدماء الملحميين لم يكونوا علماء، وإنما كانوا رواة أخبار وخرافات وذوي إنشاد وتغن، فحسب أن ما أوتيه هو من مقدرة في النظم مع معرفة بالتاريخ وتأثر بتفصيله وإجماله، يكفي لإبراز ملحمة عظيمة كتلك الملحميات الأول- وهذا ما لا يكون ولا يمكن أن يكون، لأن من أهم العناصر اللازمة للملحمة، العقيدة الدينية القوية، ومهما يبلغ إيمان شوقي بوطنه وتعصبه لتاريخه، فإنه ما كان ليبلغ عمق اعتقاد أوميروس في خرافاته وآلهته، كلا ولا عمق اعتقاد دانتي في نصرانيته أو ملتون في بيورتانيته - أقول هذا على تقدير التسليم بأن شوقيًا لم يكن له من دين إلا حب مصر والتعصب لها، مع أن الحقيقة التي لا يمكن دفعها أنه كان