وأول المقصورة استهلال عذب حسن الانسياب وهو قوله:
ما بين قرب وبعاد وقلى ... وبين ليت ولعل وعسى
ضاع زماني ووهت شبيبتي ... وصوح المخضر منها وذوي
واها لأيام شباب ما لها ... من أوبة بعد الشباب ترتجى
لكنها تمضي وتبقى حسرة ... تثبت ما بين الضلوع والحشى
من لم يكن في غرة الدهر له ... عزم كغرب السيف حين ينتضى
فقلما ينجب في آخره ... أين البطيء والمغذ في السري
لو قد كان جاء بجواب الشرط (من لم يكن) في عجز البيت لأشبه مذهب ابن دريد في المقصورة، ولكنه بجعله الجواب في بيت تال قد باين ذلك المذهب، وهذا أدل على سماحة طبعه وأنه لم ينصب من نفسه مجاريًا لابن دريد وإن يكن قد أخذ ببحره ورويه.
يا ويح عبد ذهبت أوقاته ... مستغرقات في جهالات الهوى
يسعى إلى الآثام جذلان وقد ... أحصى عليه الكاتبان ما سعى
ثم سلك الصرصري من بعد سبيلا من الوعظ أصاب فيها من النظر إلى ذكر الحساب واليوم الآخر. ونظم معاني القرآن والحديث عسر ومزلة أقدام، وقد تعلم كيف تكلف أبو تمام وقارب شفا الإساءة حيث قال:
ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... لاثنين ثانيا إذ هما في الغار
أصاب الصرصري رحمه الله شأوا بعيدًا من الإجادة في بعض ما تناوله في هذا المجال. مثلًا ما جاء من صفته للنبي صلى الله عليه وسلم إذ قام بلواء الحمد للشفاعة:
ما لي مجير ذلك اليوم سوى ... محمد خير الأنام المجتبى
أول من ينشق عنه قبره ... وما عليه من سبيل للبلى
يزفه سبعون ألف ملك ... وهو على البراق ساطع السنا
وهذه الصورة مأخوذة من قصة الإسراء والمعراج.
بيده اللواء تحت ظله ... آدم والأشراف من أهل البهى
وهو شفيع الناس يوم العرق الطاغي ... وفيه كل وجه قد عنا
جمع هنا بين معاني الحديث والقرآن- قال تعالى: {وعنت الوجوه للحي القيوم}.
وضوعفت سبعين ضعفًا شمسه ... حرًا وقدر الميل جرمها دنا
واشتد فيه غضب الله على ... من صد بغيًا وتعدى وطغى