للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم يقول الأنبياء كلهم ... نفسي إلا الهاشمي المرتضى

يقول وهو صادق أنا لها ... في موقف فيه الخليل قد خشي

خشي بوزن سعى على لغة طيء في باب فرح وسمع الناقص.

يجيز من كان مصدقًا به ... على صراط مزلق من اعتدى

أعد للعاصين من أمته ... شفاعة تنقذ من حر لظى

ومد حوضًا قدر شهر عرضه ... ينقع غلة الصدى عذبًا روى

أكوابه من ذهب وفضة ... مثل النجوم عددًا ومجتلى

أنقى بياضًا من صريح لبن ... ومن مصفى عسل أحلى جنى

يرده الشعث الرؤوس أولا ... ورد عنه كل فاجر غوى

فهذا كما ترى نفس حلو الانسياب، سهل الديباجة، جميل طريقة القصص.

ومن جياد شعر الصرصري رحمه الله رائيته التي جعل أولها تشبيبًا بالكعبة المشرفة، وأعطاها صورة المحبوبة الحسناء التي يوافي طيفها فيهيج دوافع الشوق. وقد أخذ أصل المعنى من قوة علاقة الدار بالمحبوبة في قديمات قصائد العرب، وأخذ معنى خلع صورة الإنسان على الدار من طريقة أبي تمام فمزج جميع ذلك وولد منه ما صار هو إليه من المعاني الحسان، لا أشك أن محيي الدين بن عربي أخذ تغزله بالكعبة من ههنا، لأن شعر الصرصري رحمه الله كان ذا سيرورة مشهورًا. وتغزل ابن العربي الذي جاء به في الفتوحات ليس بجيد حقًا، وكان النظم أغلب على طريقته نظمًا قليل الماء:

ونعود بعد إلى ذكر رائية الصرصري، قال رحمه الله ورضى عنه:

حيتك ألسنة الحيا من دار ... وكستك حلتها يد الأزهار

هذا المطلع كما ترى طنان رنان، فيه روح من طنانة أبي تمام:

الحق أبلج والسيوف عواري

وقد سبقت منا الإشارة إلى أن في الصرصري رحمه الله أنفاسًا حبيبية.

وتعطرت نفحات تربك كلما ... فض النسيم لطيمة الأسحار

فهذه الاستعارة حبيبية المعدن.

فلأنت معهدي القديم ومألفي ... وبك انقضت محمودة أوطاري

لله ما أبقى الأحبة مودعًا ... بثراك للمشتاق من آثار

لأصرحن اليوم فيك بلوعة ... كلفت بماء في الطلول ونار

ما كنت بدعًا في الصبابة والأسى ... حتى أواري زفرتي وأواري

<<  <  ج: ص:  >  >>