وازن بين هذا وبين قول ابن جابر في المقصورة.
أنا الفتى لا يطبيني مطمع ... فأبذل الوجه لنيل يرتجى
وقوله:
لولا اشتياقي لديار كرمت ... لبعدها يرثى لنا من قد رثى
ومدح من أرجو بأمداحي له ... إصلاح ما قد عاث مني وعثى
لم أجعل الشعر لنفسي خلة ... ولم يجش فكري به ولا غثا
يا ضيعة الألباب في دهر غدا ... فيه فتيت المسك يعلوه الخثى
فإن ههنا خشونة مع جانب تعزز شخصي ذاتي، وازن بين هذا وبين شعور النشوة والفرح النفسي بما حباه الله هذه الهبة حتى جعلها لنفسه صنعة وشعارًا إذ مدح النبي صلى الله عليه وسلم من عدده للدنيا والآخرة.
لو لم يكن مدحيك من عددي لما ... أضحى شعاري صنعة الأشعار
نشر الثناء عليك أطيب نفحة ... من مسك دارين تفوح بداري
أرى أن الثناء فاعل لنشر وهو فعل وأطيب مفعول به وأصله صفة لمحذوف ونفحة تمييز أي نشر ثنائي عليك نفحة طيبة أطيب من مسك دارين، فهي بداري فائحة. ومن جعل «نشر» مصدرًا والثناء مضاف إليه وأطيب خبر المبتدأ جاز ذلك وأحوج إلى تأويل النشر بمؤنث وليس في جودة ما ذكرنا، ورنة ما ذكرنا أجود إن شاء الله.
ملأ المهيمن مذ قصدتك مادحًا ... بيساره يمناي ثم يساري
تأمل هذا الشكر والحديث بنعمة المولى وصدقه وأريحيته.
ونفى بجاهك يا أعز وسائلي ... قتر الهوى عني مع الإقتار
فتخذت سنتك المنيرة حجة ... ومحجة تهدي لخير منار
وغدوت محروس الحمى من ضيقة الإعسار ... عند تواتر الأسعار
كأنما أطل على هذا البيت ظل من أبي تمام وذلك قوله:
وتباشروا كتباشر الحرمين في ... قحم السنين بأرخص الأسعار
وكأن الصرصري يتعمد نوعًا من الإلماع بالإشارة إلى هذا البيت، لأن هؤلاء تباشروا بالخليفة وابنه الواثق والصرصري بشراه وتباشره بهذا الشعار النبوي الذي نفعه وحماه وتتبع قتر ذنبه فمحاه.
حسبي رجاء أنني من أمة ... بك أصبحت موضوعة الآصار
أنت الزعيم لها وأنت سفيرها ... إن أقبلت من أطول الأسفار