فاسأل إلهك لي بعشر محرم ... جبرًا لقلب واجف الأعشار
وشهادتي حق قبيل شهادة ... فيها الوفاق لأهلك الأطهار
إذ قد استشهد منهم من قد استشهد في أول الإسلام ومن بعد، كسيدنا حمزة وعبيدة وجعفر وزيد بن حارثة وعلي والحسين وزيد ويحيى رضي الله عنهم أجمعين. وقد أجيبت دعوته. وحسن أولئك رفيقا.
جئنا بهذه القصيدة كاملة لم نحذف منها شيئًا ليرى القارئ الكريم كيف أنفاس هذا النمط الروحي الخالص.
وقد كان في الصرصري وصاحبيه طول نفس، وقديمًا قال أبو الطيب في ممدوحه الذي هو على مجده من سائر أفراد الملوك:
وقد وجدت مجال القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانًا قائلًا فقل
وقد سبقهم من صناعة أبي تمام والبحتري ما مهد لطول النفس عندهم، وكان أبو الطيب أميل إلى الإيجاز وبذلك تبريزه. وقد سبقهم أكثر من هذين أسلوب تطويل ابن الرومي الذي كان يتأتى إليه بتشقيق المعاني وتفريعها. غير أنه كان يهمل جانب تجويد اللفظ والإيقاع كما قدمنا.
وفي مادة السيرة النبوية من خبر الجهاد والصبر أيام قبل الهجرة وبعدها والمعراج وما كان فيه من الأسرار والتجلي وكشف الحجب مجال خصب للقصص وإطالة النفس من غير ما حاجة إلى التشقيق المعنوي والاحتيال إلى تفريعه. فأتاحت طبيعة هذه الخصوبة في مادة السيرة إمكان الجمع بين متانة الأسر وجزالة اللفظ مع انسياب السرد ولا يخلو صدر القصيدة مع ما جبلت عليه بنيتها من إيثار الإيجاز من اتساع لطول النفس متى تهيأت أسبابه ومن أجل ذلك طالت المعلقات وبعض قصائد الأوائل كجرير والفرزدق. إلا أن الإيجاز كما تقدم هو القاعدة الأولى في بيان الشعر وبلاغته. وأحسب أنه من أجل هذا قال صاحب العمدة في باب اللفظ والمعنى: «والفلسفة وجر الأخبار باب آخر غير الشعر، فإن وقع فيه شيء منهما فبقدر، ولا يجب أن يجعلا