نصب العين فيكون متكئًا واستراحة، وإنما الشعر ما أطرب وهز النفوس، وحرك الطباع فهذا هو باب الشعر الذي وضع له وبنى عليه لا ما سواه» أ. هـ والعجب لابن رشيق مع هذا كاد يميل إلى تقديم ابن الرومي على أبي تمام في باب الغوص على المعاني. هذا، ولمادح الرسول صلى الله عليه وسلم عذر واسع إذ السيرة كلها لذي الإيمان مطربة، وليس شأن المديح فيها كشأن المديح لمن يكون من ملوك هذه الدنيا الفانية «متاع قليل ولهم عذاب أليم».
من جياد الصرصري ذوات الطول رائيته
ذكر العقيق فهاجه تذكاره ... صب عن الأحباب شط مزاره
وأول القصيدة تغزل بالديار الحجازية كنى به عن البيت الحرام والقبر الشريف والحج والزيارة ومشاهد الحرمين ثم خلص إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصف خلقه وخلقه ومولده وما صاحبه من الإرهاصات ووصف تقواه وسكينته ونبونه وشريعته وما خصه الله به من التشريف والمعجزة وما جاء في الكتب من قبل من التبشير بمقدمه ثم ختم بما كنى عنه في البداية فصرح به في النهاية من نية قلبه أن تجوز به ناقة كوماء إلى حيث الرباع المقدسة ذات الهدى والسناء، ويبدو أن نظم هذه الرائية قد كان قبل نظمه التي قبلها إذ يذكر في تلك يسارًا ويذكر في هذه عسرة يرجو أن يمن الله عليه بعدها بميسرة.
أما النسيب فقوله:
ذكر العقيق فهاجه تذكاره ... صب عن الأحباب شط مزاره
وهفت إلى سلع نوازع قلبه ... فتضرمت بين الجوانح ناره
هذه الديار بناحية المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
كلف برامة ما تألق بارق ... من نحوها إلا بدا إضماره
يشتاق واديها ولولا حبها ... لم يصبه واد زهت أزهاره
شغفًا بمن سلك الفؤاد بأسره ... وبوده أن لا يفك إساره
لولا هواه لما ثنى أعطافه ... بأن الحجاز ورنده وعراره
والضمير هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والذات المحمدية.
يا من ثوى بين الجوانح والحشا ... مني وإن بعدت على دياره
عطفًا على قلب بحبك هائم ... إن لم تصله تصدعت أعشاره
وارحم كئيبًا فيك يقضى نحبه ... أسفًا عليك وما انقضت أوطاره