للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشام دولته ومكة ربة الـ ... حرمات مولده وطيبة داره

علم اليهود الحق ثمت أنكروا ... حسدًا فأفسد علمهم إنكاره

هذا البيت جيد بالغ، إذ أن العلم إنما يصح ببيان الحقائق، فمتى كتمت أو غيرت وجد الهوى السبيل إلى الرأي وهو آفته.

تبًا لمن علم اليقين وصده ... لما استبان له الصواب نفاره

نفاره أي نفوره.

وكذاك في إنجيل عيسى وصفه ... في كل عصر تجتلى أخباره

عجبًا لذي لب رآه وكيف لا ... ينبت عنه لوقته زناره

كان النصارى يشدون الزنار وهو سير يجعلونه حزامًا يشدون به أوساطهم أي عجبًا لهم لماذا يستمرون على كفرهم ولا يطرحون هذا الزي إلى زي المسلمين.

والبعير وشده إلى البيت الحرام من شعار المسلمين- قال أبو الطيب يذكر الروم وجهاد صاحبه سيف الدولة:

فكلما حلمت عذراء عندهم ... فإنما حلمت بالسبي والجمل

وترك الصرصري حث النصارى على ترك دينهم وعجبه من ذلك وأقبل على ما يرجوه لنفسه من سبيل النجاة:

وعذافر حرف أمون ترتمي ... مرحًا كهيق هاجه ذعاره

قد يبدو أول الأمر هذا الانتقال بعيدًا مفاجئًا. ولكن متأمله يجد عند التأمل ما يجمعه بما تقدمه من قوة الصلة من طريق تداعي المعاني على حسب الوجه الذي قدمنا ذكره. ثم لعل القارئ الكريم يرى كما نرى أنه حين جعل هذا المادح البارع مقدمة قصيده نسيبًا وشوقًا إلى الذات الشريفة، ثم أناله الله كريم الوصال حينها حاز شهود كمال الذات المحمدية أخذ في المديح الصرف حتى خلص إلى ذكر أهل الكتاب وعنادهم، ثم بعد ذلك سلك سبيل الشعراء إذ يتبعون معاني النسيب الارتحال إما إلى المحبوب وإما عنه، وهنا الرحلة إلى ديار المحبوب كما لا يخفى، إلى البيت الحرام وإلى حرم المدينة الشريف.

وعذافر حرف أمون ترتمي ... مرحًا كھيق هاجه ذعاره (١)

كوماء يرفعها السراب كأنها ... فلك على بحر طمي تياره


(١) عذافر أراد عذافرة وهي الناقة القوية وكذلك الحرف والأمون المأمونة العثار والهيق الظليم والذعار بضم الذال وتشديد العين المخوفون جمع ذاعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>