يطوي بها شعب الفلاة مشمر ... كالسيف للغمرات سن غراره
شهم إذا رام الخطير من العلا ... لم يثنه عما يروم خطاره
هذا الفخر في هذا الموضع حسن، لأنه هنا لا يطلب شيئًا من معالي الدنيا وإنما يريد العلا عند الله بأداء الفريضة ثم الزيارة، وقد كان الحج محفوفًا بالمشقة والمخاوف. وكان الصرصري رحمه الله من أولى الضرر فوازن بين قوله هذا وقول أبي العلاء:
قالوا كبرت ولم تقصد تهامة في ... مشاة وفد ولا ركاب أجمال
فقلت إني ضرير والذين لهم ... رأي رأوا غير فرض حج أمثالي
شتان ما بين اليزيدين:
يتجشم الوعر المخوف ليأمن الـ ... خوف الذي بالمرء يلحق عاره
وهو خوف النار وعذاب الله عز وجل.
يسرى مع الوفد الكرام ليشهد الـ ... جمع الذي شرفت به أقطاره
في موقف جم المواهب زاهر ... وضعت عن الجاني به أوزاره
هذا يوم عرفة وموقفه ولذلك ذكر بعده المأزمين والمشعر الحرام.
والمأزمين ومشعرا ذا حرمة ... ومحصبًا بمنى تعد جماره
والمأزم المضيق قال صاحب القاموس المأزم (بكسر الزاي (١)» ويقال المأزمان مضيق بين جمع وعرفة وآخر بين مكة ومنى.
ويطوف مضطبعًا طواف قدومه ... سبعًا ببيت عظمت أستاره
الاضطباع هيئة جد من لبس الرداء في الحج وذلك يمكن الحاج من الرمل في الأشواط الثلاثة.
أبهى من الديباج رونق حجره ... وعلى اللآلي فضلت أحجاره
ويسير بعد قضاء مفترضاته ... ليزور ربعًا كرمت زواره
ربعًا به نور النبي محمد ... متلألئ نضرت به نظاره
وقد أنبأنا في آخر القصيدة أنه لم يحج ذلك العام ولم يزر وإنما تذكر تلك الرباع المطهرة وحن إليها وها هو هذا يهدي إليها المدحة والسلام:
ناديته بالله يا من أسفرت ... عن بشر وجه نجاحه أسفاره
وإسفار وجه النجاح عن البشر والبشري مذهب في الاستعارة حبيبي وهو هنا
(١) الذي في القاموس ضبط القلم وما بين القوسين لنا.