للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كنت أعجب لم لا يذكر معاصرونا البرعي عبد الرحيم وهو أرق رقة من ابن الفارض وأطبع ملكة وأسلم متنًا وأجمل ديباجة. والسبب أن أكثر ترتيب مواضيع مناهج تأريخ الأدب عندنا منحو فيه نحو ما وضعه المستشرقون، وهؤلاء ربما اعترفوا بفضل شاعر كالمعري أو فيلسوف كابن سينا من أبناء الإسلام وببعض المتصوفة ممن عسى أن يجدوا عنده أنفاس حلول وما أشبه من مذهب وحدة الوجود، أما ما كان إسلاميًا حقًا فهم منه شديدو النفور. لذلك نفر من نفر منهم عن أبي الطيب. وكان هؤلاء عن أمثال البرعي من مداح الرسول صلى الله عليه وسلم أشد نفورًا. وصدق الله العظيم. قال تعالى جل من قائل: {يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [براءة].

رجع الحديث إلى رائية البرعي.

هذا منارك يا محمد قد سما ... طلعت طلائعه بنور النير

كم نازعتك الفخر سادة مكة ... حسدًا وهل صدف يقاس بجوهر

وفضلتهم بغبار نعلك إنما ... ينمي بطيب العرق طيب العنصر

هذا جيد بالغ، لوضوح المعنى، وتخير اللفظ وقوة رنين الإيقاع وجزالة السبك.

ما نازعتك يد لنيل فضيلة ... إلا وقال لها علا يدك اقصري

أو وازنتك أكابر العرب انثنت ... مرجوحة بقلام ظفر الخنصر

هذان البيتان تكرار لما قبلها. على سلامتهما هما دون ما تقدمهما. وأحسب أن البرعي رحمه الله أتي من جهة قصده إلى الاستيعاب والشمول، إذ قد ذكر سادة مكة فبدا له، والله أعلم، أن المعنى يتم بذكر أكابر العرب، وهذا ما عليه ظاهر القياس، ولكن المعنى قد تم فلا يحتاج إلى مزيد وإن كان في قوله «ما نازعتك يد» بعض التوكيد. وقوله بغبار نعلك أقوى من قلام ظفر الخنصر، أم ليس قلام الخنصر فسيطًا كغيره والفسيط قلامة الظفر أم هو شر مكانًا من قلام غيره؟ - وأقصى ما يؤخذ على الشاعر هنا التطويل لا الضعف إن أخذ ذلك.

ولأنت سر المرسلين وخير من ... وطئ الثرى من منجد ومغور

ضربت رواق العز دونك هيبة ... قصمت عرى المتكبر المتجبر

أحسبه يشير هنا إلى خبر الإراشي وأبي جهل، وقد جاء البوصيري بالخبر أتم في الهمزية حيث قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>