وأبو جهل إذ رأى عنق الفحل إليه كأنه العنقاء
واقتضاه النبي دين الإراشي وقد ساء بيعه والشراء
والبوصيري أمد باعا وأقدر على النظم وجر الأخبار لا من البرعي وسائر المداح النبويين وحدهم ولكن من كثير من كبار من تقدموا من الشعراء. والذي جاء به البرعي هنا أشبه بطريقته في الترنم. وكلما أمكنه الترنم مع النظم جاء به سلسًا سائغًا. ومتى اضطر إلى تكلفه مسه به ضعف. ومثل ذلك تحسه أحيانًا عند الصرصري. وقل من كبار شعراء المولدين من لا يقع له ذلك وقد تتبع النقاد مواطن الضعف عند أبي الطيب وأبي عبادة وأبي تمام جميعًا كما تعلم.
وسمت نجومك بالسعود وأشرقت ... شمس الوجود لحظك المتوفر
لحظك المتوفر تتمة لما بدأ به من ذكر النجوم والسعود. ومن أخذ عليه رحمه الله ذكر نجوم السعود والحظ المتوفر مع سيرة من أكذب قول أصحاب النجوم، وهوت على السرقة لمولده الرجوم، فقد يجد معتذر له مخرجًا بقول حسان رضي الله عنه:
يا بكر آمنة المبارك بكرهًا ... ولدته محصنة بسعد الأسعد
وإنما هي طريقة كلام حسن ألفتها فصاحة منطق العرب.
وأرتك أنوار النبوة ما انطوى ... في الكون من مكنون سر مضمر
ووقتك من لفح السموم غمائم ... مبسوطة من فوق بدر مزهر
هذا المعنى بديع، إذ لما جعل الغمام ظلًا، التمس جعل من تحت ظل الغمام نورًا، فهو وجه الذي ظلله الغام عليه الصلاة والسلام.
وعليك سلمت الغزالة مذ رأت ... بك من بديع الحسن أكمل منظر
وذلك أن الغزالة من رموز الحسن:
وأوابد الوحش الكوانس في الفلا ... نادتك باسم معرف لم ينكر
فقد انتقل هنا ما ترى من السيرة المكية وأخبارها إلى ذكر النبوة والمعجزات.
وببطن كفك سبحت صم الحصى ... وكذاك حن الجذع يوم المنبر
وبنت عليك العنكبوت بنسجها ... في الغار توهم أن منهجه برى
في قوله «أن منهجه برى» بعض التعب والصناعة والمعنى أن العنكبوت بنسجها قد