أوقعت في وهم قفاة الأثر أن المنهج المدخل إلى الغار بريء من أثر الناس. وأخذ الصدر من قول الفرزدق في هجاء جرير:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل
أي أنت وشعرك كنسج العنكبوت وقد تعلم قول الله في ذلك {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} أو إن بيتك لبيت عنكبوت فالذي ضرب عليك ليس ذا عماد وطنب. وقد أحسن البرعي إذ غير أول ألفاظ البيت فجعل مكان «ضربت عليك» قوله «وبنت عليك» إذ البناء سقف، فأفاد بهذا ما صنعته العنكبوت عند فم الغار ونقل نسج الفرزدق العنكبوتي من هجائه إلى معنى لا ريب فيه من المدح.
وغدت مغيرة لإثرك في الثرى ... ورق الحمام فعاد غير مؤثر
ضبطها الطابع بشدة الثاء مع كسر وما أرى إلا أن الثاء مفتوحة مشددة أي عاد الثرى غير ذي أثر باد عليه.
وجعلت شق البدر معجزة لمن ... في الحي من بدو رأوه وحضر
ولمدحك الوحي المنزل فصلت ... آياته بفضائل لم تحصر
كقوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وقوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم}، وقوله تعالى: {فأنزل الله سكينته}.
ومكارم قد عمت الدنيا ندى ... وهدى وأخرى أخرت للمحشر
وهي: {مقامًا محمودًا} الذي وعده الله تعالى.
حزت الجلالة والمهابة والعلا ... وشفاعة العقبى وحوض الكوثر
يا بهجة الدنيا وعصمة أهلها ... من كل خطب عابس متنكر
كن من أذى الدارين نصري واحمني ... ولنيل ما أرجوه موسم متجري
واجعل مديحي فيك حبل تواصل ... بيني وبينك يا رفيع المفخر
فهذا توسل أخذ به في سبيل الختام.
قل أنت يا عبد الرحيم وكل من ... واليته في ذمة لم تخفر
ولمن يليني صحبةً ورحامةً ... بالخير يا خير الخلائق بشر
وادرأ بصولك في نحور حواسدي ... أبدًا وقم بي حيث كنت وشمر