بكسر باء مستقبل أي والاك مستقبلًا هذه الدنيا بما فيها، لا يبالي إذ والاك ما يلقاه من خطوبها ولا معنى لفتح الباء وهو الذي في الطبع.
وجاد أرضًا حوتك الغيث ما سجعت ... ورق الحمام وغنت في نواحيها
وكما يرجع ابن الخطيب إلى طبيعة الأندلس يرجع البرعي إلى طبيعة اليمن، وله ولع بذكر الحمائم كقوله.
سجعت بأيمن ذي الأراك حمائمه ... وهمت على عذب الغوير غمائمه
وكقوله: فيا حمامات وادي البان شجوك في ... ظل الأراك شجاني يا حمامات
وكقوله: سمعت سويجع الأثلات غنى ... على مطلولة العذبات غنا
وكقوله: ومن لي بأن أروي من الشعب شربة ... وانظر تلك الأرض وهي مطير
وأسمع في ظل البشام عشية ... بكاء حمامات لهن هدير
وللبرعي ولع بالبشام والأثل. وهذه الراء من مدحة له منسابة تدفق الوزن والروي، مفعمة بصبابة المحبة الروحية، جيدة المدح، متينة الأسلوب- كقوله:
ومدح رسول الله فآل سعادتي ... أفوز به يوم السماء تمور
نبي تقي أريحي مهذب ... بشير لكل العالمين نذير
إذا ذكر ارتاحت قلوب لذكره ... وطابت نفوس وانشرحن صدور
وكيف يسامي خير من وطيء الثرى ... وفي كل باع عن علاه قصور
وكل شريف عنده متواضع ... وكل عظيم القريتين حقير
وقال في ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم:
لئن كان في يمناه سبحت الحصى ... فقد فاض ماء للجيوش نمير
وخاطبه جذع وضب وظبية ... وعضو خفي سمه وبعير
ودر له الثدي الأجد كرامة ... كما انشق بدر في السماء منير
ومثل حنين الجذع سجدة سرحة ... وأنس غزال البر وهو نفور
وباض حمام الأيك في إثره كما ... بنت عنكبوت حين كان يسير
أي حين كان يسير إلى المدينة مهاجرًا. وأعلم أن أهل العصر قلوبهم منكرة وهم مستكبرون.
وليست معجزة من المعجزات بعسير أمرها على من له الخلق والأمر. وإذ الرسالة من عنده سبحانه وتعالى فدعمها بالمعجزة مما يناسبها. وقد يخيل إلى قوم أن أمر الرسالة