المحمدية يكون أوقع في الأنفس حين تجرد من المعجزات. وأوشك الدكتور محمد حسين هيكل أن ينحو منحى من هذا الباب في كتابه الحسن «حياة محمد» - على أن العنوان هكذا، «حياة محمد»، لا يخلو من جفوة، كأنما كتبه إفرنجي غير مسلم والذين يرغبون أن يباهوا بمحمد نبينًا صلى الله عليه وسلم من غير إيمان بنبوته وبمعجزاته منافقون يستعاذ بالله من شرهم.
والمسلمون حقًا في كل بلاد الله يهشون لسماع القرآن ويخشعون لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته للقلوب شفاء وقد خلص ذكرها من المديح الفصيح إلى المديح بالدارجة الذي قد ظل دهرًا طويلًا مما تطرب له أبناء الأمة الإسلامية وبناتها في المشرق والمغرب. من ذلك مثلًا قول الحاج الماحي بلساننا الدارج:
القصير اب د م يا محمد
قال له في سم يا محمد
الصلاة وسلام لي محمدًا
وخاتم الكرام سيدي أحمدا
ثم أخذ البرعي بعد ذكر المعجزات في ذكر الجهاد:
وأن الغمام الهاطلات تظله ... بروح نسيم إن ألم هجير
ويوم حنين إذ رمى القوم بالحصى ... فولوا وهم عمى العيون وعور
وجند في بدر ملائكة السما ... فجبريل فيهم قائد وأمير
ومن قومه في البئر سبعون سيدًا ... قتيلًا ومثل الهالكين أسير
ومن عزمه تخريب خيبر مثلها ... قريظة قرض والنضير نظير
مكان الجناس هنا أوضح في النطق اليمني إذ الضاد مقاربة للظاء. والحق أن أكثر نطق الضاد عندنا الآن بعيد عن الأداء الصحيح الجيد، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن القوافي في أوائل هذا الكتاب في جزئه الأول. ولا يخلو هذا البيت من لطائف بديعية على اقتصاد البرعي في البديع فلا يسرف في زخرفة بل نفس الجزالة المطبوعة أحب إليه، وهذا ما زعمنا أن ديباجته بحترية الرنة والصفاء. على أن مكان البحتري في دقة الصناعة كما قد قدمنا. قوله قرض، يشير به إلى ما وقع بها من هلاك وانقراض. وقوله نظير يشير إلى ما وقع بالنضير من نظرة حتى إذ جاء زمان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أجلوا عن جزيرة العرب. وفي ذكر القرض والنظير ملاحة تعبير لما