عقدة همه هو، وانشرح صدر أمه. وهذا البيت غاية في الرقة والإنسانية: وفي قوله: «عقدة هم عنه ما برحت» عموم يدخل فيه الشاعر وسائر أفراد الأسرة ومن يعنيه أمرها وإن كانوا في طريق المدينة فيدخل فيه الرفقة المعاونون أيضًا. وذكر الأم بعد تخصيص لها ثم أتبع ذلك ذكر نفسه وهو داخل في العموم الذي سبق ثم هنا ليجعل اسمه في المدحة وليرجع إلى ما كان قدمه من ذكر الشفاعة ورجاء الغفران والرحمة:
وصل بمرحمة عبد الرحيم ومن ... يليه لا خاب فيك الظن والأمل
صلى وسلم ربي دائمًا أبدًا ... عليك يا خير من يحفى وينتعل
والآل والصحب ما غنت مطوقة ... وما تعاقبت الأبكار والأصل
قوله «يا خير من يحفى وينتعل» كأنه من قول القطامي:
أما قريش فلن تلقاهم أبدًا ... إلا وهم خير من يحفى وينتعل
فسيد قريش عليه الصلاة والسلام أولاهم بهذا الوصف، والبيت من كلمة القطامي:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل
وهذا من المطالع الفخمات، نبه عليه ابن رشيق. والمعنى الذي تقدم لم يكن القطامي هو السابق إليه، وكأنما نظر إلى قول الأعشى.
إما ترينا حفاة لا نعال لنا ... إنا كذلك ما نحفى وننتعل
فأخذ القطامي «يحفى وينتعل» من ههنا.
وشعر الشيخ عبد الرحيم البرعي در نفيس وفي هذا الذي استشهدنا به من شعره، ومنه قصائد جئنا بها بتمامها ما يشهد بما زعمنا من متانة أسره وصفاء ديباجته، وما يقوم ببعض حجتنا في إنكار هذا الذي فشابه القول بيننا الآن من أن الفترة التي تلت القرن الخامس الهجري فما بعده كانت فترة انحطاط للشعر ولغيره من جوانب الفكر والفن والحضارة الإسلامية. فقد سبق التنبيه منا إلى بطلان هذه المقالة. ولعل المصنف يعترف أن عصر الانحطاط هو عصرنا هذا، نسأل الله سبحانه وتعالى الفرج والنجاة.
إذا رجعنا بالقارئ الكريم إلى ما قدمناه من قبل من تشبيهنا على وجه التمثيل والتقريب للصرصري بحبيب والبرعي بأبي عبادة والبوصيري بأبي الطيب، فإننا نريد،