للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لحواء أنها حملت أحـ ... ـمد أو أنها به نفساء

يوم نالت بوضعه ابنة وهب ... من فخار ما لم تنله النساء

وأتت قومها بأفضل مما ... حملت قبل مريم العذراء

شمتته الأملاك إذ وضعته ... وشفتنا بقولها الشفاء

قوله «وأتت قومها»، فابنة وهب وضعته في مكة وكانت الشفاء قابلتها وهي من قراباتها بني زهرة رهط سيدنا عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة وصاحب الشورى التي أسفرت عن خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين والشفاء بفتح الشين وتشديد الفاء مفتوحة أمه. يجوز أن يكون من مراده بقومها في هذا الموضع أخواله بني النجار بالمدينة إذ جاءتهم به وهو غلام صغير وتوفيت بالأبواء في طريق عودتها. شمتته الأملاك من تشميت العاطس أي دعت له.

رافعًا رأسه وفي ذلك الرفـ ... ـع إلى كل سؤدد إيماء

رامقًا طرفه السماء ومرمى ... عين من شأنه العلو العلاء

فهذه صفة مولده إذ وضعته أمه صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ البوصيري في ذكر ما حف ذلك من معجزات. وتأمل جودة الصياغة وسهولة انسيابها وما معها من خفي البديع، البيت: «فهنيئًا به لآمنة» تكررت فيه الفاء -فهنيئًا- الفضل شرفت والبيت الذي بعده تكررت فيه حواء عند قوله (به حواء) (من لحواء) ثم جاء بحاءات متتابعات- حملت- أحمد. ثم أخذ بطريق النون- أنها- نفساء- نالت- ابنة- وهب- تنله النساء- ثم البيت «وأتت قومها» في صدره قاف وفي عجزه وكلمة أفضل تناغي الفضل التي مرت من قبل وتأمل الميمات قومها- مما- حملت- مريم- والشينات في البيت الذي بعده والراءات والسينات من بعد. ثم قص ما رأت أمه من إشراق أضاءت له قصور الشام- جاء بذلك في صياغة رشيقة صدر فيها البيتين اللذين ذكر فيهما هذه المعجزة بفعلين متقاربي الوزن مبدوءين بالتاء مع شيء من الجناس الحرفي والمتشابه:

وتدلت زهر النجوم إليه ... فأضاءت بضوئها الأرجاء

وتراءت قصور قيصر بالرو ... م يراها من داره البطحاء

ثم لما أراد ذكر الرضاعة، جاء بصيغة أخرى، بفعل ثلاثي مجرد في صدر جملة قصصية موجزة جعلها صدرًا للبيت التالي ومهد بها لعجز البيت المشعر بقصد إلى تفصيل يجيء بعده.

وبدت في رضاعه معجزات ... ليس فيها عن العيون خفاء

إذ أبته ليتمه مرضعات ... قلن ما في اليتيم عنا غناء

<<  <  ج: ص:  >  >>