للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأتته من آل سعد فتاة ... قد أبتها لفقرها الرضعاء

أرضعته لبانها فسقتها ... وبنيها ألبانهن الشاء

أصبحت شولا عجافا وأمست ... ما بها شائل ولا عجفاء

الشائل التي لا لبن لها.

أخصب العيش عندها بعد محل ... إذ غدا للنبي منها غذاء

يا لها منة لقد ضوع الأجـ ... ـر عليها من جنسها والجزاء

وإذا سخر الإله أناسًا ... لسعيد فإنهم سعداء

والشعر الجيد أبدا فيه الحكمة. والبوصيري موهوب في هذا الباب. وهذا أيضًا من أوجه الشبه بينه وبين أبي الطيب وأبي تمام، وصياغته للحكم أقرب في إيجازها وقوتها إلى مذهب أبي الطيب وصياغته. ثم ينهي هذا الفصل من معجزات الرضاعة بقوله:

حبة أنبتت سنابل والعصـ ... ـف لديه يستشرف الضعفاء

وهذا كأنه صدى من بيت الحكمة الذي مر وتعليل له ما يبرره من الإشارة إلى الآية: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة}. ومعنى قوله والعصف إلخ قال النبهاني رحمه الله العصف هو ورق النبات اليابس. قال علقمة:

تسقى مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتى الماء مطموم

وقال في القاموس العصف بقل الزرع وقد أعصف الزرع وكعصف مأكول أي كزرع أكل حبه وبقي تبنه فأحسب النبهاني جاء باليبس من ههنا وقال في مجاز القرآن كعصف مأكول وهو ورق الزرع وهو العصيفة. فمعنى بيت البوصيري أن هذه الحبة أنبتت سنابل سبعًا رحمة من الله أسبغها على آل حليمة فلا طال الزرع ولاح سنبله استبشر به منتظرو حصاده فهذا معنى قوله والعصف لديه يستشرف الضعفاء أي حين يعلو الزرع بسوقه وتلوح سنابله كثيرات جيدات هنالك يتطلع الضعفاء إلى يوم حصاده فإن كانوا أصحابه فهو لهم خصب وإن كان أصحابه سواهم فإن خصبه يعمهم حتى ولو أقبلوا يلتقطون ما يبقي بعد الحصاد. ولا معنى لأن يستشرف الضعفاء لورق يابس. ومعنى البيت كما ذكرنا إن شاء الله والله أعلم.

ثم لما فرغ من ذكر معجزة الخصب صار إلى قصة شق الصدر وهي معجزة أخرى. ويذكر شق الصدر أيضًا في قصة المعراج.

<<  <  ج: ص:  >  >>