على تقدير الفرض أن قارئ هذه القصيدة ليس له سابق علم بالسيرة فقد أنبأه البوصيري بيتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أبته المرضعات. ثم أن الذي تولى كفالته جده ههنا. ولعلم القارئ بأمر اليتم وكفالة جده عبد المطلب له، فإن سياق الخبر من أجل الذكر والعظة الحسنة والبشرى.
إذ أحاطت به ملائكة الله فظنت بأنهم قرناء
وبعض جهلاء أعداء الإسلام يبنون على خبر شق الصدر مزعمًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصابًا بالصرع ويجعلون ما يشابه من شدة الوحي من ذلك. ولا خفاء أن هذا من سوء الأدب. ولو قد كان بالنبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي زعموه لكان رواة سيرته أول من يخبرنا به إذ لم يكتموا من خبره شيئًا. وما ذكر عن نبي ولا عن عظيم من تفصيل الخبر كما ذكر عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد صحبه أصحابه في الحضر والسفر فما غادروا من أمره شيئًا. والأطبة في عصرنا هذا لا ينطقون قاطعين برأي في مرض مريض، أي مريض، إلا بعد أصناف من الكشف الدقيق. فقد حسن سوء الأدب وضلال الرأي وسخافته لهؤلاء السفهاء أن يقدموا على تشخيص مرض ينسبونه إلى نبينا على الظن وبالتحامل والبغضاء وبغرض الطعن والسب وعلى وجه خلاف منكر لكل ما ورد من خبره، أنه كان أيقظ الناس وأصبرهم على مكاره السفر والحرب، شج في أحد وكسرت رباعيتاه فما انتابه ضعف ولا خور. وفر عنه الناس يوم حنين وهو مكانه لا يريم. وكان قوامًا صوامًا. وتحامل في مرض وفاته فصلى وأصحابه برؤيته مستبشرون.
ورأى وجدها به من الوجـ ... ـد لهيب تصلى به الأحشاء
أي رأى عبد المطلب حب حليمة له صلى الله عليه وآله وسلم وتعلقها به.
فارقته كرهًا وكان لديها ... ثاويًا لا يمل منه الثواء
وقد أحسن تضمين كلام اليشكري ههنا. وقد رام نحو هذا الشهاب في همزيته الكاملية في المطلع.