ثم علل هذه الحكمة:
لو يمس النضار هون من النا ... ر لما اختير للنضار الصلاء
وتعليل الحكمة أشبه بمذهب أبي تمام والصلاء النار والنضار الذهب. ثم ذكر ما حف النبي صلى الله عليه وسلم من عناية الله سبحانه وتعالى ووقايته.
كم يد عن نبيه كفها اللـ ... ـه وفي الخلق كثرة واجتراء
إذ دعا وحده العباد وأمست ... منه في كل مقلة أقذاء
هم قوم بقتله فأبى السيـ ... ـف وفاءً وفاءت الصفواء
تأمل الفاءات والجناس في «وفاء» - «وفاءت» - والقاف في «مقلة» - «أقذاء» - «قوم» - «بقتله». وأشار إلى خبر الذي أراد قتله ثم هداه الله وإلى ذلك الإشارة في سورة المائدة: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} وقال تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} والصفواء الحجر وقد همت حمالة الحطب أن ترميه بحجر فلم تره، وبعد الهجرة همت اليهود أن يلقوا عليه حجرًا فكفاه الله عز وجل شرهم.
ثم ذكر خبر أبي جهل إذ هاب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه يقتضيه دين الإراشي- رجل من بني إراشة لوى أبو جهل دينه فلم يؤده فدله الناس على الرسول صلى الله عليه وسلم ليستعين به، وما أرادوا إلا أن يسخروا به، فكان ذلك سببًا لنيله ما لوي عنه ظلمًا.
وأبو جهل إذ رأى عنق الفحـ ... ـل إليه كأنه العنقاء
واقتضاه النبي دين الإراشـ ... ـي وقد ساء بيعه والشراء
ورأى المصطفى أتاه بما لم ... ينج منه دون الوفاء النجاء
هو ما قد رآه من قبل لكن ... ما على مثله بعد الخطاء
وذلك أنه هم بالنبي صلى الله عليه وسلم فرأى دونه فحلًا وهو عين الفحل الذي رآه لما جاءه النبي صلى الله عليه وسلم يقتضيه دين الإراشي- فهذا من خبر أبي جهل عدو الله كما ترى. ثم ذكر خبر حمالة الحطب وهي أم جميل بنت حرب زوج أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم.
وأعدت حمالة الحطب الفهـ ... ـر وجاءت كأنها الورقاء