للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا قوله:

مد في شأو صوتها نفس كا ... ف كأنفاس عاشقيها مديد

من سجو وليس فيه انقطاع ... وهدو وما به تبليد (١)

لا تراها هناك تجحظ عين ... سلك منها ولا يدر وريد

وهذا مدح سالب لا موجب، وقد كان ابن الرومي أعرف بمواضع الذم منه بمواضع المدح. أتراه لو كان قال لنا إن لهذه الفاتنة هدوا وسجوا، أكنا نتخيل أن مع هذا الهدو انقطاعًا، ومع ذاك السجو تبليدًا، ونحن نعلم أنه يريد مدحها؟ أم ترانا إذا وصفها لنا بكمال الأداء كنا نتساءل في أنفسنا: أتجحظ عينها حين تغني، أم يدر وريدها؟ لا هذا ولا ذاك - ولكن ابن الرومي كان رجلًا شكاكًا متطيرًا، يحسب أن أحدًا من البشر لن يصدقه إذا ألقى الصفة على وجهها بلا قيود ولا احتراس. وإنه بقوله "لا تراها هناك تجحظ عين" الخ، قد أدخل في نفوسنا الشك بلا ريب واستحضر في أنفسنا صورًا قبيحة لا نريد استحضارها. أم تراه كان يريد هو استحضارها أمام سامعيه من أجل أن يعرض ببعض من كان يعينهم من المغنين والمغنيات.

وقد سلك محمد بن مناذر -من طبقة بشار- سبيل أبي زبيد نفسها، من الاعتماد في الترقيق على المعنى دون اللفظ، ومن النظم على هذا الروي في الرثاء كما فعل أبو زبيد (٢) وذلك في كلمته:

كل حي لاقي الحمام فمودي


(١) عنى بالهدوء: الهدوء فسهل الهمزة ووصلها بالواو قبلها.
(٢) قال ابن قتيبة (الشعر والشعراء ٢٦٣) في معرض الكلام عن دالية أبي زبيدة "وعلى هذه القصيدة احتذى ابن مناذر مرثيته عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي أ. هـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>