للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيا خسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

ومن يبع آجلًا منه بعاجله ... يبن له الغبن في بيع وفي سلم

إن آت ذنبًا فما عهدي بمنتقض ... من النبي ولا حبلي بمنصرم

فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمدًا وهو أوفى الخلق بالذمم

إذ هو محمد بن محمد بن سعيد بن حماد الأبوصيري أو البوصيري وهذه أشبه إذ قريته بوصير وأصلها أبوصير وهو عربي مغربي أمه من صعيد مصر- ونعود إلى ما كنا فيه من الهمزية حيث ذكرنا استعماله ما هو من جنس صناعة الأدب والكتابة في باب التصوير والبيان:

فانظروا كيف كان عاقبة القوم وما ساق للبذي البذاء

وجد السب فيه سما ولم يدر إذ الميم في مواضع باء

أي قد تقلب الميم باء لتقارب المخرج إذ هما شفويان فوجدوا السب الذي سبوه النبي صلى الله عليه وسلم قد انقلبت باؤه سما فقتلهم. وانظر إلى قوله «في مواضع» إلى دقته ورشاقته.

كان من فيه قتله بيديه ... فهو من سوء فعله الزباء

أي لأن السب خرج من فيه وهو سم فقتله فكأنه قد أخذ سمًا فمصه كما فعلت الزباء وقد مر خبرها، وهذا كمذهب أبي تمام في الإشارة.

صرعت قومه حبائل بغي ... مدها المكر منهم والدهاء

فأتتهم خيل إلى الحرب تختا ... ل وللخيل في الوغي خيلاء

قصدت فيهم القنا فقوافي الطـ ... ـعن منها ما شأنها إيطاء

أي كسرت فيهم القنا من جعل القنا قصدًا فهو قصيد أي متكسر، قال أبو الطيب:

يطأن من الأبطال من لا حملنه ... ومن قصد المران ما لا يقوم

فالخيل إذ وطئت هذا القنا القصيد فهذا الإيطاء لا يشينه كما الإيطاء يشين قوافي الشعر. وقصدت الخيل فيهم القنا أي نظمته كما ينظم الشعر طعنًا سلكي وطعنًا مخلوجًا متتابعًا قاتلًا فمنظومات الطعن فيهم لا يشينها أن تتشابه كما يشين ذلك قوافي الشعر. فهنا كما ترى تورية واستخدام.

وقوله فأتتهم خيل ... البيت، كأن صياغته تنظر إلى قول أبي الطيب:

فأتتهم خوارق الأرض ما تحـ ... ـمل إلا الحديد والأبطالا

خافيات الألوان قد نسج النقـ ... ـع عليها براقعًا وجلالا

ثم إن البوصيري رحمه الله ذكر فتح مكة وعفو النبي صلى الله عليه وسلم:

<<  <  ج: ص:  >  >>